الانزياح الضمائري في نونية ابن زيدون
د. يوسف دفع الله حسين محمد | Yousif dafa alla husin mohmmed
17/08/2022 القراءات: 2644
نعني بالانزياح الضمائري طريقة استعمال الضمائر بما يخالف الواقع الذي تعكسه ، لأن الأصل أن يتطابق الضمير مع صفة حامله إفرادا وتثنية وجمعا ،ويتطابق معه تأنيثا وتذكيرا، فإذا خرقت هذه القاعدة وقع الانزياح .
او هو ما يعرف بالالتفات الذي يعني اختراق الحالة الطبيعية في عملية التجاوز بين الجمل بتغيير مساق الكلام من جهة الى أخرى ،وبهذا العدول عن الظاهر يتحقق الانزياح، فالأسلوب هذا يؤسس القاعدة على ضوء أولية الورود بافتتاح الكلام الذي ينتمي اليه الضمير الرابط بين الجمل، وعن طريق الضمائر التي تربط الجمل يتحقق نوع من الانسجام التركيبي، وحدوث ما يخل بذلك الرابط يؤدي الى فساد التركيب وتشتت المعنى، لكن لو كان هناك تغير في نوع الضمير يفضي الى غاية أدبية سترجع الفائدة الى التركيب والنص عموما، وهذا ما يؤديه الالتفات.
ان بداية القصيدة كانت ذات سياق جمعي يتمثل بالضمير (نا) الدال على الشاعر و(هم) الدال على صاحبته، والعدول من الإفراد الى الجمع جاء لإبراز ذاتية الشاعر ومخاطَبه، لذلك نجد أن هذه الـ(نا) أثرت مادامت مطلعا في بنية القصيدة وعلى الشاعر أيضا، فاعتمدها حتى في المواضع التي تتطلب الإفراد، فلذلك المطلع الدال على التشارك والتفاعل تكاد تترشح من (نا) لتصبغ القصيدة كلها، فضلا عن ذلك ما تلقيه القافية من ارتداد وتطويع ينسجم معها، وهذه المزية البلاغية المنزاحة لا يمنحها ضمير المتكلم المفرد كما يمنحها الضمير الجمعي.
بعد ذلك نلاحظ أن الشاعر أسس سياقا نصيا معتمدا على ضمير الغائب (انتزاحهم، قربهم) ، ثم كسر السياق بتوليد سياق آخر يعتمد على ضمير المخاطب (أعاديكم، لكم، إليكم، لفقدكم ، نأيكم) للتأكيد والحرص من قبله على إيصال المعنى للمخاطب، فالموقف يتطلب إحضار المقصود وإبلاغه، ليصبح المعنى أشد رسوخا ووقعا في نفس المتلقي.
لكن هذا السياق يتحول من جديد الى سياق يذكر فيه ضمير الغائب المذكر المفرد، ومنه (تذكره، منه، أنشأه، توجه، أكفاءه) وكان سابقا ضمير المخاطب الجمع، ففي البيت العشرين في قوله (من كان ..) تأسيس للضمير الإفرادي لذا قال في البيت الذي يليه (تذكره) عطفا على الضمير الذي يختزله الفعل (كان)، وفي ذلك توجيهان: الأول كون الوزن اضطر الشاعر إلى ذلك فتخلى عن قوله (كانوا يسقوننا) وبهذا الاضطرار نشأت بداية مسوغة لبقية الأبيات بإيراد الضمير الغائب المفرد، أما الثاني: إن هذا الضمير يتوافق والحالة الشعورية التي يمر بها الشاعر لأن ضمير الغائب يوازيه غياب حقيقي، فالإحساس بهذا الضمير من قبل الشاعر يرجع إلى المحور الزمني الماضوي فيمكن أن نقول عنه أنه انتقال ذهني، ولا ننسى أن هذا التحول ورد في المقطع الثاني من القصيدة، كما أن التحول من الجمع إلى الإفراد يعطي الشاعر مساحة كبيرة للتحدث عن صاحب الضمير وإبراز صفاته وكمالاته وخصوصيته.
وبعدما يأخذ ضمير الغائب المفرد دورا بارزا في النص ويشكل انزياحا في مستوى التركيب يظهر الضمير الواجب تبنيه واعتماده والذي ينطبق مع مقام الحال كما في البيت (33) ألا وهو ضمير المخاطب المفرد المؤنث في (نسميكِ، انفردتِ، شوركت) لكن هذا الوضع يكسر في البيت (37) إذ يعمد الشاعر إلى استعمال ضمير المخاطب الجمعي في قوله (بكم) بدلا مما يقتضيه المقام السابق وهو (بكِ)، ويبدو أن الشاعر اضطره الوزن لأنه جاء به في موضع واحد فقط، وإذا احتملنا التأويل قلنا جاء به تعظيما.
الضمائر ـ الانزياح ـ ابن زيدون
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع