مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة أمهات المؤمنين زينب بنت جحش (رضي الله عنها)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


23/04/2023 القراءات: 208  


سلسلة أمهات المؤمنين
زينب بنت جحش (رضي الله عنها)


زيد بن محمد
هو زيد بن حارثة بن شرحبيل وقصته طريفة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة زينب بنت جحش (رضي الله عنها) وكذلك برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
كان طفلاً صغيراً وقع في السبي، حين أغارت طائفة من قطّاع الطرق والصعاليك على القافلة التي كان زيد فيها مع أمه… وقد قصدت زيارة أهلها، فأخذ منها، وبيع في أسواق مكة، واستقر في بيت خديجة (رضي الله عنها)، وحين تزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أهدته إليه. وأخذ أهله يبحثون عنه في كل مكان، ثم عرفوا أنه عند محمد بن عبد الله بن عبد المطلب في مكة فجاءوا لفدائه والعودة به، فلما دخلوا الدار عرفوا بأنفسهم وغرضهم وأثنوا على طيب عنصر النبي عليه الصلاة والسلام وكريم محتده، فأخرج إليهم زيداً ثم سأله: أتعرف هؤلاء؟
قال: نعم، هذا أبي، وهذا عمي…
ثم قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أتريدون خيراً مما تطلبون؟ قالوا: وما هو؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): أخيِّر…، فإن اختاركم فهو حر، وإن اختارني فاشهدوا أنه مني بمنـزلة الوالد، يرثني وأرثه… فقالوا: لقد أنصفت.
وحين خيّر زيد في ذلك قال: أنا لست بالذي أختار عليك أحداً. فخرج أهله من عند محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم مطمئنون واثقون من حسن اختياره، وطيب مقامه. وكان ذلك قبل البعثة النبوية، ولقد أشهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك أهل مكة، إذ نادى به على الملأ من قريش، عند الكعبة، ليعرف القاصي والداني ذلك.
ومنذ ذلك الحين أصبح زيد بن حارثة يعرف بزيد بن محمد، وكان التبني عادةً ساريةً وعرفاً متبعاً في الجاهلية، واستمر الأمر على ذلك زمناً حتى أنزل الله تعالى حكمه في كتابه (ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) [الأحزاب 5]، فعاد زيد إلى نسبه الأصلي الأول، وظل على ولائه لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مخلصاً محباً وفياً أميناً مسلماً مؤمناً تقياً.
والنسبة للآباء أولى وأجدى، وأضمن لسلامة الأحساب والأنساب في المجتمعات الإنسانية حتى لا تضيع أو تضل في متاهات الصلات البشرية.
زينب فتاة قريش
وكانت زينب بنت جحش بن رئاب المخزومية، وأمها أميمة بنت عبد المطلب الهاشمية عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانت زينب…، زينة فتيات مكة تتباهى بأصالة أرومتها، وطيب عنصرها فقد جمعت المجد من طرفيه قمّة في فصاحة اللسان، وذروة في الفضائل والأخلاق.
أسلمت وآمنت وبايعت، وظلّت عزباء… إذ ردت كثيراً من الأيدي التي تقدمت لها، لأنها لا تجد في من رغب بالزواج منها تكافؤاً اجتماعياً.
زواجها من زيد
بعد أن هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة، أراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبني المجتمع المدني على أسس جديدة، فيها الثورة على كل الأعراف الجاهلية، وقيمها الزائفة… أراد أن يبني المجتمع على قاعدة صلبة في الإخاء الإنساني في الله، بحيث تكون بشرية الإنسان والفرد وتقواه مع الله هي مؤهلاته فقط، لا ماله، ولا حسبه، ولا بأسه وسلطانه… فبدأت الأخوة في الله تأخذ سبيلها، وتمضي نحو غايتها.
خطب زينب عدة رجال فأرادت أن تستشير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك فأرسلت إليه أختها تسأله عنهم فقال لها: أين هي ممن يعلمها كتاب الله وسنة رسوله؟
فقالت: ومن هو يا رسول الله؟
قال: زيد بن حارثة
فغضبت أختها غضباً شديداً وقالت: يا رسول الله، أتزوج ابنة عمتك مولاك؟ ولما أخبرت زينب بذلك غضبت أشد من غضبها وقالت أشد مما قالت. كما كره أخوها عبد الله أن تُزفَّ أخته الشريفة الحسيبة النسيبة إلى مولًى من الموالي، ومع أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحدث عن أصل زيد الصريح أباً وأماً، وعن مكانته في الإسلام، إلا أن زينب قالت: لا أتزوجه أبداً. حينئذٍ نزل في زينب وذويها قول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب 36].
ورضيت زينب بقضاء الله تعالى ورسوله، وقبلت أن تتزوج عبداً وهي الشريفة سليلة المطَّلبيِّين، فقد كانت مؤمنةً فاضلةً، وكانت تعلم أن على المؤمنين أن يقبلوا بقضاء الله سواءٌ أوافق هواهم أم لا.
وتزوج زيدٌ زينبَ، وأكد الإسلام من خلال زواجهما أن الناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، ولا لحر على عبد إلا بالتقوى، وأن الناس لآدم، وأن آدم من تراب.
الحياة الزوجية
وكان زيدٌ أفطس الأنف، ولم يكن جميلاً، فلم ينشرح له قلب زينب، ولم تشعر تجاهه بالمودة والحب، وهي التي لم تكن مقتنعةً بهذا الزواج من بدايته، وما قبلته إلا بعد نزول قوله تعالى، لذا لم يكتب لبيتهما السعادة، وأحس زيد نفوراً من زوجته، وأبت على زيد كرامته وعزة نفسه، وهو ربيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أن يرتبط بزوجة لا ترغب فيه، فذهب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يشكوها ويعرض نيته في تطليقها، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مالك يا زيد، هل رابك منها شيء؟
فقال زيد: لا والله يا رسول الله، ما رابني فيها شيء، ولا رأيت إلا خيراً، ولكنها تتعاظم علي لشرفها، وإن فيها كبراً، وتؤذيني بلسانها.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا زيد، هذه زينبُ، يسر الله لك زواجها، وعسى أن يصلح حالها لك بعد ذلك، فأمسكها عليك واتق الله لئلا تصمها بأنها لا تحسن عشرة الأزواج، وثب إلى رشدك ولا تنقض أمراً أبرمته.
ولكن زينب كانت كارهةً العيش مع زيد، وكانت كرامة زيد تأبى عليه أن يفرض نفسه عليها فرضاً، فهي لا ترغب فيه، فكيف تقبل نفسه العيش معها كرهاً وهو الأبي الفاضل، لذا ظل يتردد على رسول الله يطلب منه الموافقة على طلاقة من ابنة عمته زينب.


سلسلة أمهات المؤمنين زينب بنت جحش (رضي الله عنها)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع