د.امل صالح سعد راجح


أهمية اللغة العربية في تعزيز الهوية وبناء المؤسسة التعليمية (2)

د.امل صالح سعد راجح | Dr.Amal Saleh Saad Rajeh


18/12/2024 القراءات: 54  


كما تعد عملية المزاوجة في التعليم بين اللغة العربية واللغة الأجنبية، إحدى التهديدات التي تطال هوية التعليم باللغة العربية، حيث أشار بعض المفكرين إلى هناك ثمة بون شاسع بين تعلم (أو تعليم) لغة اجنبية، والتعليم (أو التدريس) بلغة اجنبية. فتعلم لغة اجنبية بغية الانفتاح الفكري والثقافي والاطلاع على ميادين العلم والمعرفة شيء والتعليم بلغة اجنبية أي أن يتلقى الدارس كل العلوم الدراسية أو جزء منها بغير لغته القومية، وتصبح اللغة الأجنبية الوسيط الرئيس الذي يتلقى به العلم والمعرفة شيء آخر. فمن يدرس بلغتين معًا، أو لمن يتعلم بلغة اجنبية والآخر وطني، إذ يعاني مشكلة في تكوينه اللغوي؛ إزدواجية لغوية تعوقه في نهاية المطاف عن إتقان لغته القومية، وهذا هو المشكل، كما يؤدي طول فترة التعليم والاعتماد بشكل أساس على اللغة غير القومية إلى ما أطلق عليه إركسون (الهوية المشتتة) ولا سيما في ظل تضاؤل الفرص لتحقيق نمط تعليم متجانس يعتمد على اللغة القومية ويدعمها .
وهنا يحضرني قول ابن خلدون في التعليم، "إنه من المذاهب الجميلة، والطرق الواجبة في التعليم ان لا يخلط على المتعلم علمان معًا فإنه حينئذ قل ان يظفر بواحد منهما: لما فيه من تقسيم البال، وصرفه عن كل واحد منهما إلى تفهم الآخر فيستغلقان معا، ويستصعبان، ويعود منهما بالخيبة؛ وإذا تفرّغ الفكر لتعليم ما هو بسبيله مقتصرًا عليه فربما كان ذلك أجدر بتحصيله" .
لقد عالج ابن خلدون بنظرته تلك ما هو واقع، وحادث في العمليّة التعليميّة في العصر الحديث؛ من إدخال تعليم اللغات الأجنبية كاللغة الإنجليزية، والفرنسية في المرحلة الأساسية في بعض المدارس العامة والمدارس الخاصة، في الوقت الذي يكون تلميذ المرحلة الاساسية محتاجًا إلى أن يتقن لغته الأم (اللغة العربية)؛ وبهذا الخلط بين تدريس اللغات الأخرى للتلاميذ مع اللغة الأم يسبب لكثير من التلاميذ صعوبة في استيعاب لغتهم الأم بشكل جيد؛ وكذا استيعاب اللغات الأخرى. إن الاقتصار على الّلغة العربية، وتدريسها للتلاميذ في مراحلهم الأساسية من التعليم أجدر باستيعابها وإجادتها؛ ومن ثمّ في مراحل متقدمة من عُمر التلاميذ يمكن تدريسهم اللغات الاخرى.
- كما أكد بعض الدارسين على ان "الاعتماد على اللغة القومية في التعليم، يقوي شدة الارتباط بالهوية العربية، ومقوماتها الأساسية، وما يفضي إليه الاعتماد على اللغات الأجنبية من فجوات ومشكلات في الهوية العربية لدى الدارسين بها، ووهن في وشائج الانتماء إلى الوطن وعدم الاهتمام بقضاياه وهمومه وتطلعاته" حيث تعد هوية اللسان العربي (اللغة العربية) نابعة من أهمية اللغة نفسها، كونها تراث ثقافي غني وعريق، تعطي للمتلقي، أو التلميذ فهمًا أعمق بتراثه التاريخي، والأدبي، كما أنها تعد مخزون لغوي يحتوي على القيم التي تعمل على بناء شخصية الفرد المسلم. كما تعد اللغة العربية من أهم مقومات الانتماء، حيث أشار بعض الباحثين إلى انه لا تكاد توجد محاولة واحدة لتحديد بنية الهوية العربية لم تدخل اللغة في صميمها، على الرغم من الاختلاف حول طبيعة العناصر الأخرى المشكلة للهوية. فالنسبة الأكبر من الجماعات الاجتماعية التي تعيش في المجتمع العربي تتحدث العربية، وتنتمي إلى الثقافة العربية وإلى الوطن العربي ومن ثم اتفق هؤلاء الباحثون على ان اللسان العربي- أي التحدث باللغة العربية- يمثل أحد معايير التصنيف المهمة للجماعات التي تعيش في المجتمع العربي.
- كما للغة العربية دور مهم في الوقت الحاضر؛ لما اعترى حياتنا من الوهن، وضعف القيم وتخاذل من حولنا، وأصبحنا أحوج إلى تنمية قيمنا في علاقتنا الاسرية، وأماكن عملنا، وفي شوارعنا واسواقنا، وأحرى بالمنظومة التربوية ان تسعى جاهدة إلى تنمية القيم، وترسيخها في نفوس الطلاب، عن طريق حصص الأدب والنصوص، وخلال اطلاع الطالب على تراث امته العربية والإسلامية تتعزز ذخيرته القيمية، كما يعد الاتصال بكتاب الله الكريم وسنة رسوله، منحى مهم في ارتباط الطالب او التلميذ بلغته وهويته أيضا. ومن أهم القيم التي تحث عليها اللغة العربية هي قيم الاخلاق، إذ تؤدي إلى تهذيب عادات الطلاب والسمو بأخلاقهم، وتزويدهم بما يحتاجون إليه من فضائل وهي تعكس ما هو مرغوب ويفيد المجتمع فتدعمه، وما هو متعارض مع قيم المجتمع فتحذر منه. ولنتأمل قول أمير الشعراء احمد شوقي:
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوم نفسك بالأخلاق تستقم
- كما نحن احوج اليوم، إلى تنمية القيم التربوية، التي تزخر بها كتب الأدب والشعر في اللغة العربية، فنحن في حاضرنا نحتاج وبشدة إلى تنمية القيم التربوية، كالوفاء والشجاعة والحلم والصبر والصدق والأمانة والكرم وغيرها من الخصال التي تسهم في تربية الناشئة على مستوى الفرد والمجتمع؛ لأن من أهداف التعلم المستهدفة في موضوعات الشعر أن تسهم في تأسيس قيم تربوية لدى المتعلم تنعكس على سلوكه ويمكنه التأثير بها على الآخرين.
- كما نلحظ اليوم مع الأسف قلة انتماء الجيل الجديد لأوطانهم ورغبة في الهجرة والاستقرار في بلاد الغرب - نتيجة لأسباب عديدة لا يتسع المجال لذكرها- وعدم التفاعل مع قضايا الوطن وقضايا الأمة، فهناك فرق وبون شاسع بين جيل اليوم وجيل الأمس؛ الذي كانت كل قضية تلهب مشاعرهم وتوقد حماسهم. ان " قيم المواطنة تتجسد في الأدب العربي من خلال ما جادت به قرائح الشعراء بقصائد مليئة بالوطنية والشعور بالانتماء والحب والشوق والحنين الذي لا يقاوم للوطن،


اللغة العربية - الهوية - اللسان


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع