مدونة الدكتور محمد محمود كالو


قصص القرآن: هي كل ما يتكرر في حياة البشر

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


18/05/2023 القراءات: 189  


قصص القرآن: هي كل ما يتكرر في حياة البشر
نستفيد من قصص القرآن الكريم عن الأمم والأنبياء والمرسلين فوائد جمة، وينبغي علينا أن نمعن النظر فيها بتدبر دقيق وفهم عميق، لنعرف أهدافها وغاياتها، والرسائل التي تريد أن توصلها للناس باعتبار العبر والعظات.
إن من الأنبياء والرسل من استهل مرحلة جديدة من تواريخ الأمم، ومنهم من كان مرسلاً لفئة من الناس، أو أمة من الأمم، ومنهم من أرسل رحمة للعالمين كافة.
تبدأ قصة الخليقة مع آدم عليه السلام حيث مرحلة التأسيس الأول للعالم، ثم في قصة نوح عليه السلام تبدأ مرحلة التأسيس الثاني للعالم، وفي قصة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام اكتملت المرحلة الثالثة بظهور الإسلام، وهي مرحلة التأسيس الثالث للعالم، إذ بها بدأت مرحلة التأسيس الفكري، بعد أن كانت المرحلتان الأولى والثانية مرحلة تأسيس عمراني جديد، وكلها حافظت على المبادئ العامة والقواعد الكلية، حيث تدعو هذه الشرائع إلى العمل الصالح المرتكز على العلم النافع لما فيه خير الناس.
إن القرآن الكريم ليس كتاب تاريخ، فهو لا يريد أن يقص القصص على الناس كي يتعلموا التاريخ، ولكنه يريد أن يوصلهم إلى مستوى من العقل والفكر والفهم والإدراك، بحيث يفهمون مغزى القصص، ويستفيدون مما فيها من عظات وعبر، لذا تجزأت قصص القرآن وتوزعت في سور عديدة، ويأتي في كل موضع ما يناسب سياقه.
وكل قصص القرآن هي عبارة عما يتكرر في حياة البشر، وبحسب تكرارها يكون موجوداً ومترسخاً في الواقع، فمثلاً قصة كليم الله موسى عليه السلام مع فرعون مصر، حيث يكثر ورودها في أجزاء القرآن؛ لأنه يكثر وقوعها في أرض الواقع بين الناس، وذلك أنها قصة ظلم وطغيان، وهي تقوم على خمسة أركان:
الركن الأول: الملك الجبار الذي يعتقد أنه يملك الأرض ومن عليها، ويمثله الطاغية فرعون، وفي كل عصر يوجد مثله من الظلمة والطغاة.
الركن الثاني: الوزير المنافق المتسلق والمتملق ويمثله هامان، وهو المقرب الأول من حاشية فرعون، ذكر ابن عاشور في التحرير والتنوير: "وأحسب أنّ هامان ليس باسم عَلَمٍ، ولكنّه لقب خِطَّة مثل فرعون وكسرى وقيصر ونجاشي، فالظّاهر أنّ هامان لقب وزير الملك في مصر في ذلك العصر"، وفي كل عصر هاماناته من الوزراء الفسقة، حيث يتزلفون للحاكم المتسلط ويلبون كل رغباته وأوامره دون اعتراض أو حتى مناقشة.
الركن الثالث: رجل المال والأعمال الذي يسخر ثرواته لبقاء الظلم والطغيان ويمثله قارون، ويوجد في كل عصر من هؤلاء المنتفعين من السلطة الظالمة وبقائها؛ إذ يتأثرون بزوال الظالم، وتتهدم مصالحهم الدنيوية، ولذلك تجدهم يعارضون أي تغيير من شأنه تغيير سلطة الطاغية وزوالها.
الركن الرابع: رجل الدين الذي يسوِّغ القرارات الجائرة للظالم والطاغية، وهم المشهورون بعلماء السلاطين، الذين يخسرون علمهم ودينهم وآخرتهم لتسويغ جميع قرارات الحاكم الظالم، ويجعلون من أنفسهم مطية للطغاة فيبررون أفعالهم بالفتاوى المعلبة، بل ويمجدون أخطاء الطاغية، ويمثل هؤلاء سحرة فرعون قبل إيمانهم.
الركن الخامس: رجال الإعلام الذين يكونون بوقاً للباطل، والذين يحركون الرأي العام لمصلحة الطاغية، فلا يغطون من الحقائق والأحداث إلا ما كان فيه مصلحة الظلمة والطغاة، ويغضون الطرف عما يريد الطاغية إخفاءه عن أعين الناس، فيستخفون بعقول الناس ويبتعدون عن أبسط قواعد المنطق وأخلاق المهنة.
هذه سنة الاستبداد التي تتكرر في كل زمان ومكان.
وهكذا كل قصص القرآن الكريم هي عبارة عما يتكرر في حياة البشر.


قصص القرآن، حياة البشر، رجال الدين، رجال المال، الوزير المنافق، رجال الإعلام


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع