العدد الثالث عشر مقالات

الهروب القسري للفتيات في الوطن العربي / مقالات

17/02/2022

د. فاطمة عيسى محمد

لاشك أن الإسلام كرم المرأة أيما تكريم، فقد أخرجها من ظلمات الجهل ومرارة الوأد إلى نور الهداية والطمأنينة  والسعادة، انتشلها من القهر إلى العزة والكرامة، فكانت صاحبة رسالة في مجتمعها، وملكة متوجة على عرش أسرتها، مما أوغر صدور أعدائها  فأصبحوا يترصدونها  للإيقاع بها في براثن الفتن والغواية، حتى أخرجوها من مخدعها.

فضاقت ذرعاً بحجابها، وتمردت على مجتمعها طلباً للمساواة بالرجل، وانتشت بحريتها المزعومة، فأصبحت تلك المرأة الراقية المتطورة في نظرهم، فقلدت الرجل تارة، ونافست الرجل تارة أخرى، وتمردت مرات عدة على قيم دينها وعادات مجتمعها.

في الآونة الأخيرة ظهر نمط جديد للتمرد في المجتمعات العربية عامة، والخليجية خاصة، وهو الهروب القسري للفتيات، فالهروب القسري، من قسر يقسِرُ قَسراً قسَرَ فلاناً: أي قهره على كَره، وقَسَرَهُ علي أمرٍ: أي قَهَرَهُ، وأكرهَه علي فعله، بمعنى أجبره على فعله، فالهروب القسري أي الخروج من مكان إلي آخر إكراهاً. ويطلق على خروج الفتيات من بيوت أسرهن، أو من بلادهن مكرهات لأسباب اجتماعية أو غيرها. فلماذا ظاهرة الهروب ولماذا هجر الأسرة !!

قد يختلف معي البعض بأن الهروب القسري للفتيات في الوطن العربي لا يعد ظاهرة، بل هي مجرد حالات فردية شاذة. 

فأقول بأن كل ظاهرة تبدأ بحالة، وسرعان ما تنتشر في المجتمع انتشار النار في الهشيم، وأن الجبال تتكون من تكدس من الحصى الصغير، والنار تبدأ من مستصغر الشرر، والمشكلة كبيرة لكن الاحصائيات ضعيفة ويعج المجتمع العربي بقصص الهروب، بالرغم من أن أغلبها لا ينشر، ولا  يذكر لأسباب اجتماعية.

فالكثير من الظواهر الغريبة غزت مجتمعنا العربي والخليجي المحافظ، بهدف تغريب الفكر، والتغرير بالقُصَّرِ والشباب، تهاونا فيها واعتبرناها مشكلات بسيطة حتى عمَّ البلاء. 

ذكرت إحدى الاختصاصيات في علم الاجتماع بأنه برغم الانفتاح على العلم، إلا أن بعض المجتمعات العربية ما تزال تحافظ على عاداتها وتقاليدها؛ فتعتبر هروب الفتاة جريمة غير مقبولة خاصة في المجتمعات الخليجية.

 حالات الهروب من الأسر في الوطن العربي تعود لعدة أسباب، فقد كشفت دراسة لدائرة الخدمات الاجتماعية في إحدى الدول أن من أسباب الهروب القسري: إن العلاقات العاطفية والبحث عن الحب يعد أهم أسباب الهروب، أو إجبار الفتاة على الزواج من غير رغبتها والسبب في ذلك، حسب تحقيق أجرته مجلة سيدتي في عددها الصادر في ٢٦-٢-٢٠١٣م يعود إلى  ما يعرضه الإعلام المرئي من محتوى اجتماعي غريب على مجتمعاتنا العربية، فتحلم فيه الفتاة بفارس الأحلام المنتظر كما تصور لها في الإعلام، التفكك الأسري وتعدد الزوجات مع عدم العدل بين الأبناء في النفقة، والرعاية، والاهتمام، يدفع الفتاة إلي البحث عن الأمان خارج البيت أو خارج البلاد.

وكذلك العنف الأسري، والتنمر الذي تتعرض له الفتاة  في محيط أسرتها من الوالدين أو الإخوة، فقسوة المعاملة ونبذ الفتاة في أسرتها، وتعمد الوالدين تفضيل البنين على البنات، وطغيان مبدأ المصلحة الفردية في الأسرة، يجعلها تهرب من جحيم العنف الأسري إلى جحيم المصير المجهول، هذا ما ذكره الدكتور: رشود بن محمد، في صحيفة الاقتصادية.

 كما إن ضغط الحياة، انشغال الأبوين، وارتفاع تكاليف المعيشة قد يعطي الفتاة فسحة أوسع من الحرية والتصرف خارج نطاق منظومة الرقابة الأسرية، فتصبح صيداً سهلاً لأصحاب النفوس المريضة، وغياب الحوار والتفاهم بين أفراد الأسر، وإن كانت مستقرة، وأحوالها المادية جيدة، وغياب التوجيه الإيجابي يعد سبباً لهروب الفتيات، شبكات التواصل الاجتماعي أيضاً في قفص الاتهام بما يعرض فيها من يوميات، وصخب الحياة، وأحلام وردية، وترف العيش، وكذلك سهولة التواصل مع أشخاص حول العالم، مما يسبب الابتزاز الإلكتروني، ويسهل المهمة لهروب الفتيات، سواء هروب فردي، أو جماعي، وأحياناً القوانين التي وجدت لحماية الأطفال من العنف، قد تعطي الحق للأبناء بتقديم شكوى على الآباء، فتساهم في سقوط هيبة الأب، وتوتر العلاقة الأسرية، مما قد ينجم عنها تمرد الأبناء.  لذلك لابد من التصدي لهذه الظاهرة من خلال: 

* إيجاد القوانين التي تساهم في الحد من العنف الأسري وتوجد ما يضمن سلامة الفتيات، ومتابعة جذور المشكلة وبداية إرهاصاتها من خلال المدارس، وإعادة بناء منظومة الخدمة الاجتماعية، والإرشاد الأسري، وكذلك إجراء دراسات وإحصائيات دقيقة عن هروب الفتيات، حتى داخل مراكز الإيواء والرعاية الاجتماعية، لأنها تشهد كثير من حالات العنف والتنمر، والتوعية المستمرة  لفئة الفتيات حول أضرار شبكات التواصل الاجتماعي، والمراقبة الأمنية المستمرة لأجهزة الفتيات والمكالمات الإلكترونية المجانية، ذلك بموافقة ولي الأمر في حال وجود شبهة في سلوك الفتاة، دراسة في المملكة السعودية نشرت في صحيفة الوطن في عددها الصادر يوم ٢٥-١٢-٢٠١٩م ، ذكرت أن ما نسبته ١٨ ٪ من الهاربات يعشن حياة مستقرة مع الوالدين معاً، ولا يعانين من التشتت الأسري، وأكدت أن ما نسبته ٤١٪ كان بسبب شبكات التواصل الاجتماعي.

وزيادة الوعي الديني داخل الأسرة بعد ملاحظة ضعف الوعي الديني في مناهج المدارس في مرحلة التجديد ونسف القيم، وقيام  مجموعة من المتطوعات  بالتطوع مع دوائر الخدمة الاجتماعية، أو المدارس الثانوية، لدراسة حالات الفتيات والمساهمة في التوجيه والإرشاد كل حسب اختصاصه، والتطوع للقيام بالدراسات التي تخدم المشكلات الاجتماعية التي تعانيها الفتيات، والتدقيق والمتابعة لما يبثه الإعلام من مواد مؤثرة على الأمن الفكري العربي، فأبناؤنا أمانة، وختاماً على الوالدين تقوى الله في تربية البنات حسن التربية، لنيل بشرى رسول الله التي جاءت في الحديث:  « من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كنَّ له ستراً من النار»

هذه الهاربة ليست مجرمة، فقد يكون المجتمع هو المجرم في حقها، فلابد من التكاتف للأخذ بيدها لبر الأمان، لأن هناك من يستهدف عقيدتنا ووطننا

 

العدد الثالث عشر الهروب القسري

مواضيع ذات صلة