مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (248)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


21/12/2024 القراءات: 44  


-تعظيم اسم الله:
جاء في «العقد المنظوم» في ترجمة المولى محمد بن عبدالوهاب بن عبدالكريم، الشهير بعبدالكريم زاده الحنفي الإمام العلّامة (ت: 975):
كان جدّه عبدالكريم قاضيًا بالعسكر في دولة السلطان محمد خان، وولي أبوه عبدالوهاب الدفتر دارية في عهد السلطان سليم خان، ونشأ هو غائصًا في بحار العلوم ولجج المعارف، طالبًا لدرر الفضائل واللطائف ... وتبحّر وتمهّر، وفاق أقرانه، وطار صيته في الآفاق، وجمع أشتات العلوم، وتنقّل في المدارس على عادة أمثاله، إلى أن صار طودًا من المعارف نحوًا وعربية وأدبًا وفقهًا، وغير ذلك، حلو المفاكهة، طيب المعاشرة.
وكان من عادته أن لا يكتب بالقلم الذي يكتبُ به اسم الله تعالى، ولا ينام ولا يضطجع في بيت كتبهِ تعظيمًا للعلم". شذرات الذهب (10/ 555).
***
-وصية داود الطائي:
قال ابن السمّاك: "‌أوصاني ‌أخي داود، بوصية: انظر أن لا يراك الله حيث نهاك، وأن لا يفقدك حيث أمرك، واستحِ في قربه منك، وقدرتهِ عليك". حلية الأولياء (7/ 358).
***
-مَنْ مؤلِّف كتاب "المروءة":
الأخ الكريم الفاضل الدكتور ذنون العامري:
ذكرتم في ص (خ) من تقديمكم لكتاب "مرآة المرؤات" للثعالبي:
"كتابَ المروءة عن عمر بن الخطاب لمحمد بن عمران البغدادي المرزبان (ت: 384)".
واعتمدتم في ذكر هذا الكتاب على المُناوي في كتابه "فيض القدير شرح الجامع الصغير".
وأقول: قد أخطأ المناوي في تعيين المرزبان الذي نقل السيوطي في "الجامع الصغير" مِنْ كتابه ثلاثة أحاديث، فإنَّ المرزبان –الذي هو مصدرُ السيوطي-هو أبو بكر محمد بن خلف (انظر الجامع مع الفيض 3/64 و227).
والذي ذكره المُناوي يكنى بأبي عبدالله، وليس له كتابٌ في المروءة.
ثم إن الأحاديث الثلاثة التي أوردَها السيوطي من كتاب "المروءة" موجودة في كتاب "المروءة" لأبي بكر محمد بن خلف.
وتحديد "المروءة" عن عمر بن الخطاب فيه نظرٌ فالكتاب ليس كله عن عمر، وانما روى السيوطيُّ عنه الحديثَ المنقول في (3/ 64) لا غير.
هذا، وقد تحرَّف كتابُ "المروءة" على المُناوي فقال في "فيض القدير" (3/ 229) وفي "التيسير" (1/ 443): "في معجمه".
والصواب: "في المروءة". والله تعالى أعلم.
دبي: (27/ 3/ 2007م).
***
-القهوة:
القهوة مشروبٌ عالميٌّ، ولها تاريخ واسع، وألفتْ فيها مؤلفات، وللناس عاداتٌ في حكم شربها، وصنعها، وطريقة شربها، وتقديمها، والتعامل معها، والإكثار أو الإقلال منها، ومن المَعيب في بعض البلدان الإسراع بتقديمها، وللقهوة التركية شهرة كبيرة، وفي مذكرات عائشة بنت السلطان عبدالحميد الثاني ذكرٌ لها، وكذلك في بعض أخبار أبي الهدى الصيادي التي ذكرها طاهر الكيالي في كتابه "الفريدة الدرية شرح القصيدة الهدائية"، ولشيخنا الشيخ عبدالكريم الدَّبان التكريتي موشح فيها، وقد يمتنع ذوو الحاجات عن شرب قهوة شخصٍ مقصودٍ حتى يعد بقضاء الحاجة، وهناك مَن كان يكتب عمودًا صحفيًّا بعنوان: فنجان قهوة. وأصل "القهوة" الخمر، ولكن أصبح هذا الاسم لهذا المشروب السحري، وللناس مفاضلات بينها وبين الشاي، والأذواق تختلف، وسبحان الخلاق الرزاق.
***
-التأليف الجماعي في التراث:
وأعني بهذا اشتراك أكثر مِن مؤلّف في تأليف كتاب، في وقت واحد، وممن ألف هكذا:
-إبراهيم بن الصباح وأخواه محمد والحسن. انظر إخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطي (ص: 43-44).
-بنو موسى بن شاكر. المصدر السابق (ص: 45 و208).
-إخوان الصفا وخلان الوفا. السابق (ص: 58).
-الخالديان أبو بكر وأبو عثمان، ولهما: "أخبار أبي تمام ومحاسن شعره".
-أحمد بن عبدالملك الإشبيلي أبو عمر المعروف بابن المكوي (ت: 401): جمع للحكَم أمير المؤمنين كتابًا جميلًا في رأي مالك سمّاه: كتاب "الاستيعاب"، وكان جمعُه له مع أبي بكر محمد بن عبدالله القرشي المعيطي، ورُفع إلى الحكَم فوصلهما بجائرة كبيرة، وقدَّمهما للشورى، وانتفع الناسُ به رحمة الله عليه. الديباج المذهب (1/ 176- 177).
-وقال الرزكلي في ترجمة محمد سعيد القاسمي (ت: 1317) في «الأعلام» (6/ 141): «كان عارفًا بالصناعات الشامية، له فيها كتاب (بدائع الغرف في الصناعات والحرف) رتبه على الحروف، وبلغ فيه أواخر حرف السين، فأكمله ابنُه الشيخ جمال الدين مشتركًا مع خليل بن أسعد العظم، وسمّياه (قاموس الصناعات الشامية - ط) في مجلدين». وقد حققه الأستاذ ظافر القاسمي (1332 - 1405)، وهو من تأليف أبيه وجدِّه وصهره.
-وفي معالم العلماء لابن شهراشوب (ص: 63): "علي ومحمد ابنا الريّان بن الصلت، لهما كتابٌ مشتركٌ بينهما".
-وقد يمكن أنْ نعدَّ مِن هذا ما فعله الدارقطني: جاء في ترجمة جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات، أبي الفضل، المعروف بابن حنزابة الوزير (ت: 391): "كان يُملي الحديثَ بمصر، وإليه خرج أبو الحسن الدارقطني إلى هناك، فإنه كان يريد أن يصنِّف مسندًا، فخرج إليه الدارقطني، وأقام عنده مدةً ‌فصنَّف ‌له ‌المسند، وحصل له من جهته مال كثير». المنتظم (15/ 27)، معجم الأدباء (2/ 782). ولا بد أن مادة المسند ومراجعته كانت من قِبل الوزير فهو عمل مشترك.
ويمكن تتبع أخبار هذا.
***
-داود الطائي وأبو حنيفة وخطأ في "الأعلام":
جاء في ترجمة داود بن نصير الطائي في "الأعلام" للزركلي (2/ 335): «رحل ‌إلى ‌بغداد، فأخذ عن أبي حنيفة وغيره، وعاد الى الكوفة، فاعتزل الناس».
وما أرى هذا صحيحًا أي أنه أخذ عن أبي حنيفة في بغداد، ولم يكن أبو حنيفة مقيمًا في بغداد، وإنشاء بغداد متأخر، في سنة (145)، وتوفي أبو حنيفة سنة (150)، وتوفي داود سنة (165)، ويظهر أن زيارة داود لبغداد لم تطل، وكان حين زارها قد تزهد، روى الخطيب في «تاريخ مدينة السلام» (9/ 311) عن الكديمي قال: «سمعتُ أبا نعيم، يقول: ‌كنت ‌ببغداد ‌عند ‌داود الطائي وبها المهدي عشرين ليلة فسمع ضوضاء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا أمير المؤمنين يا أبا سليمان. قال: وهو هاهنا؟!».
وسؤاله يدل على أنه كان في معزل عن الدنيا، وهذا إنما كان بعد تفقهه، فالصواب أن أخذه عن أبي حنيفة كان في الكوفة.


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع