كيف يكون القطاع الخاص شريكا حقيقياً في تحقيق التنمية المستدامة
أ.د. نغم حسين نعمة | nagham Hussein alnama
07/10/2021 القراءات: 4472
يُعد القطاع الخاص اليوم محوراً أساسياً في عملية التنمية المستدامة، سواء في الدول المتقدمة أم النامية، لما يتمتع به من ميزات وإمكانات تؤهله للقيام بدور ريادي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية في ظل اتجاه عالمي لمنحه المزيد من الأدوار. وقد خضعت علاقة القطاع الخاص بعملية النمو الاقتصادي، لنقاش معمّق في إطار التعاون الدولي، إذ تؤكد غالبية الدراسات على وجود علاقة إيجابية وقوية بينهما، وإن نمو الإنتاجية يرتبط بشكل وثيق بالاستثمارات الخاصة. ومع التحولات التي حدثت في السياسات الاقتصادية في العقدين الأخيرين من القرن الماضي نحو السوق، فإن ذلك عزز الاعتماد الكبير على القطاع الخاص، والشروع في عمليات تنفيذ برامج الخصخصة بشكل واسع، ما أدى إلى زيادة نسبة استثمارات القطاع الخاص إلى مجمل الاستثمارات من ناحية، وإلى زيادة نسبة الاستثمارات الخاصة إلى الناتج المحلي الإجمالي من ناحية أخرى. فضلاً عن ذلك فقد عزز هذا التوجه زيادة الاستثمارات الخارجية في عدد من الدول؛ نظراً لكفاءة استثمارات القطاع الخاص وإنتاجيتها، مقارنة مع إنتاجية استثمارات القطاع العام. وتؤكد بعض الدراسات أن التأثير الإيجابي لاستثمارات القطاع الخاص في النمو، يفوق بأكثر من مرة ونصف تأثير الاستثمارات العامة. وهذه تؤكد درجة ارتباط استثمارات القطاع الخاص باستدامة التنمية والنمو الاقتصادي في المجتمعات التي تتمتع بالبيئة المناسبة للإسهام في عملية التنمية المستدامة.
وفي العراق تظهر الحاجة إلى مساعدة القطاع الخاص في عملية تمويل التنمية المستدامة لتحقيق أهدافها في مواجهة التحديات المحلية والعالمية، لاسيما مع تفاقم مشكلات الدولة وتراجع قدرتها على تمويل التنمية المستدامة وتحقيق أهدافها.
بينما ينهمك العالم بالتعامل مع الأزمات المتتالية وتداعياتها على المواطنين وحقوقهم، تتضاعف التحديات التي يعكسها تدهور مؤشرات التنمية البشرية كالفقر والبطالة وعدم المساواة، خاصة في العراق.
ان هذا الواقع يملي عددا من الخطوات التي يفترض اتباعها ، وهي تنطلق من ضرورة إعادة النظر بأنظمة الحوكمة القائمة على مستوى المؤسسات الدولية والإقليمية وكذلك على المستوى الوطني. ان تعزيز المشاركة والشفافية وتطوير أدوات المساءلة والمحاسبة هي المدخل الضروري لأي برنامج تغييري طموح يستهدف الانتقال من الأحوال المتردية التي تعيشها المنطقة الى واقع جديد حيث يتمتع المواطنون بالحد الأدنى من الكرامة والحرية والازدهار. كما ان إعادة النظر بأدوار الشركاء التنمويين على أساس الشراكة بين مختلف الجهات المعنية بالعملية التنموية بات مسألة ضرورية وغير قابلة للتأجيل.
إن معظم التجارب العالمية اعتمدت في التنمية المستدامةخيارا من اثنين:
- الخيار الأول حول دور وموقع الدولة في التنمية: أي ان النظام الاقتصادي الذي تلعب الدولة فيه الدور الرئيسي في ملكية وسائل الإنتاج او اقتصاد السوق: أي الاقتصاد الحر المتفلت من القيود مقابل تعزيز المنافسة الحرة. أما التجارب التي اعتمدت على دور الدولة كلاعب أساسي (وأحيانا الوحيد) في التنمية فقد باءت بالفشل لان الدولة تحولت الى جهاز بيروقراطي غير فاعل حيث ينتشر الفساد وتغيب آليات المساءلة والمحاسبة على حساب المحسوبيات والزبانية. وكذلك بالنسبة الى الدول التي اعتمدت على خيار آليات اقتصاد السوق وانخراط قطاع الاعمال في رسم السياسات العامة، فاستفاد من قربه من مواقع القرار لتعزيز نفوذه وتصميم البيئة التشريعية بما يخدم مصالحه الضيقة في تحقيق الأرباح لاسيما وسائل الكسب السريع ولكن، وأحيانا كثيرة، غير المشروع في ظل غياب الشفافية وآليات المساءلة والمحاسبة. لقد أدى نموذج الاقتصاد الحر الى اضعاف دور الدولة من خلال هيمنة الشركات الخاصة على آليات صنع القرار وتنفيذه، ما أدى الى تطويع السلطات الدستورية، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وحوّلها الى أدوات تعمل لحماية مصالحه على حساب حقوق ومصالح المواطنين. وبالتالي لم يؤدِّ الى النتائج المرجوة.
- الخيار الثاني حول دور القطاع الخاص والتنمية: ان معظم الادبيات المعاصرة تؤكد على أهمية القطاع الخاص في التنمية، كشريك تنموي أساسي يلعب أدواراً في تفعيل الاقتصاد الوطني والمحلي وتطوير إنتاجيته وخلق فرص العمل وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين. وتجدر الإشارة الى انه، ولدى تناول دور القطاع الخاص، يجب التمييز بين مجالات العمل والقطاعات والاحجام. فالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تلعب دوراً كبيراً في تفعيل الإنتاج المحلي وتوفير فرص العمل والدخل للمواطنين في مناطق جغرافية متنوعة، في الريف والنطاق المدني وفي المناطق النائية وغيرها، الا انها تتعرض لمنافسة غير عادلة في ظل غياب دولة القانون والمؤسسات وهيمنة الشركات الكبرى على الاقتصاد وفي ظل الانفتاح الاقتصادي غير المدروس. في حين ان الشركات الكبيرة او المتعددة الجنسيات، تساهم في تعزيز الاحتكارات والتلاعب في الأسواق لتعظيم أرباحها على حساب حقوق المواطنين في حال غابت قدرة الدولة عن المراقبة وتطبيق القوانين. لذلك، تلعب الدولة دوراً أساسياً في ضمان حقوق المواطنين واحترام المؤسسات والقانون، وفي توفير البيئة المواتية وتقديم الحوافز للقطاع الخاص وتشجيع الاستثمارات. وكذلك، فان الشراكة مع القطاع الخاص من جهة وتفعيل المشاركة المواطنية الفاعلة من خلال الشراكة مع المجتمع المدني من جهة ثانية، هما صنوان اساسيان لتفعيل العملية التنموية وتلافي البيروقراطية الخاملة والفاسدة كما لتجنّب هيمنة قطاع الاعمال على المشهد السياسي. ان هذه الشراكة بين الأطراف ذات المصلحة تعتبر النموذج الأكثر فاعلية وبالتالي المطلوب تحقيقه حالياً.
القطاع الخاص ، الشراكة الحقيقية ، التنمية المستدامة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة