مدونة المهندسة / وفاء فاضل عبد الواحد


الحظ وخوارق اللاشعور بين المحسوس والمعقول من الخيال

وفاء فاضل عبد الواحد | Wafaa fadhel abdul wahid


18/01/2021 القراءات: 1847  


للخيال معنى خاص ومعنى عام فهو بمعناه الخاص استحضار صورة لم يسبق ادراكها ادراكا حسنا". وذلك بعملية التركيب والتأليف بين العناصر المألوفة لاخراج صورة غير مألوفة او بربط الصور ببعضها البعض لاستحداث مركبات ذهنية جديدة ويسمى هذا التخيل بالتخيل الابتكاري او الاختراعي .أما التخيل بمعناه العام فهو استحضار صورة ذهنية لمدركات حسية على سبيل الاطلاق ويسمى التخيل الاستحضاري أو التأليفي او التكراري او التذكيري والتخيل الابتكاري ثلاث انواع ابتكار مطلق ومقيد ومترجم أما المطلق فهو الذي لا يخضع للارادة وليس له غرض مقصود ولا يتقيد بالماضي ولا بالمستقبل ويدخل فيه احلام اليقظة لان احلام اليقظة كأحلام النوم لها سبب وغاية وهي ان يحصل الانسان في نومه على الرغبات التي حالت الظروف الواقعية دون تحقيقها
أما الابتكاري المقيد فأن له غرض مقصود يشعر به المرء ويعمل على تحقيقه وانه خاضع لارادة المتخيل ومرتبط بالمستقبل كالتخيل العلمي ويمتاز بتقيده بالواقع وعدم تأثره بالمزاج الشخصي وحين يوصف الخيال بأنه مطلق فذلك لان له – كما يقول – ابن عربي – ان يبتكر ما شاء من الصور وان يذهب في هذا الابتكار الى ما لا نهاية له . وله ان يتخيل المحال ولكنه المحال الذي تنزع عناصره دائما من عالم الحس . وهو في ذلك القوة الوحيدة من قوى النفس التي تتمتع بهذا الوصف اذ ليس الحس ولا العقل بمطلقين، وحين يوصف الخيال بانه مقيد لانه لا يستطيع ان يصور امرا من الامور في صورة حسية سواء أكانت هذه الصورة الحسية ممكنة التحقيق ام ترى بعين الخيال وحده دون ان تتحقق في الواقع مثل تخيل العنقاء وليس ثمة شرط سوى انه لابد ان تكون أجزاء تلك الصورة كلها موجودة في المحسوسات لاكن المجموع لا يكون في الوجود .
ومن هنا أشار ابن عربي الى الصلة بين النفس والخيال بوصف الاخير احد قواها مستشهدا بحديث شريف يصف الخيال بانه من موالي النفس . ولكن يستدرك ليقول ان هذا لا يحول دون ان يكون للمولى ( العبد ) تحكم في سيده أذ لولاه لما كان السيد سيدا بل به وبأمثاله يصبح السيد مالكا ، وهذه العلاقة بين السيد ومملوكه يسميها ابن عربي صلة تحكم متبادل .
ان الروح الإنسانية كما يقول الفارابي هي التي تتمكن من صورة المعنى بحده وحقيقته منفوضا عنها اللواحق الغريبة مأخوذة من حيث يشترك فيه الكثرة ، وذلك بقوة لها تسمى العقل النظري وهذه الروح كمرأة ، وهذا العقل النظري كصاقلها .
وهنا يقسم الفارابي القوى الدماغية ذات الصلة بعملية التخيل الى اربعة أقسام هي القوى المصورة وقوة الوهم والقوة الحافظة والقوة المفكرة،
فالقوة المصورة ما يقتنصه الحس من الصور وهي كائنة في مقدم الدماغ ومهمتها تثبيت صور المحسوسات بعد زوالها عن ملاقات الحواس، فتزول عن الحس او تبقى فيها اما قوة الوهم فهي التي تدرس من المحسوس ما لا يحس ،وقوة الحافظة هي خزانة ما يدركه الوهم كم ان المصورة خزانة ما يدركه الحس . وقوة تسمى مفكرة تتسلط على الودائع في خزانتي المصورة والحافظة فتخلط بعضها ببعض وتفصل بعضها عن بعض وإنما تسمى مفكرة اذا استعملها عقل الانسان فاذا استعملها الوهم سميت متخيلة ،
غير ان الخيال عند ابن عربي غاية في السعة ولكنه غاية في الضيق أيضا لانه يتصور العدم المحض والمحال ، والواجب ويجعل الوجود او العدم وجودا . فلولا الخيال كما يقول لما امر النبي احدا بأن يعبد الله كأنه يراه ذلك لان رؤية الله بعين البصر مستحيلة ولكنها ليست مستحيلة بعين الخيال . والخيال من جانب أخر غاية في الضيق اذ ليس في طاقته ان يقبل امرا من الامور المحسوسة أو المعنوية الا في صورة محدودة أذ أنه لإ يجرد المعاني عن الصور اصلا فهي وسط بين الحس والعقل لانه يأخذ الصور عن الحس .
اما صلة الخيال بالعقل فيوضحها قائلا ان الخيال لا يخطيء أبدا ذلك انه أذا ادرك شيء يدركه بنفاذه و اشراقه والاشراق لا يخطيء في كشفه عن الاشياء وأذا كان هناك خطأ فلا بد ان يكون لسبب أخر اذ الخطأ وليد الحكم ، والخيال لا يصدر حكما بل هو نور يكشف ستار الظلمة التي تحجب الأشياء وهنا يجب ان ينسب الخطأ الى القوة التي تصدر الحكم وهي العقل واذا كان الحكم لغير الخيال فأنه ليس صحيحا ان ينسب الخطأ أو الفساد اليه فألاولى ان يقال أخطأ العقل في فهم ما كشف الخيال عنه .
ان الانسان يرى بعين الخيال مالا يراه بعين الحس كما قال تعالى ( وأذ يريكموهم اذا التقيتم في اعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم) وقال تعال ( يرونهم مثليهم رأي العين ) مع انهم لم يكونوا مثليهم في الحس فلو لم ترهم بعين الخيال لكان ما رأيت من العدد كذبا واذا كان الذي اراك ذلك اراكه بعين الخيال كانت الكثرة في القليل حقا والقلة في الكثرة حقا لانه حق في الخيال وليس بحق في الحس.
و يوصي ابن عربي في التفريق بين ما يدرك بعين الخيال وبين ما يدرك بعين الحس مسميا هذا العلم بعلم الضربة او الرمية او علم النظرة والفروض العلمية وليدة الخيال - كما يقول – فهي التي تنشيء العلم – حقيقة – وتدعمه . اذ لا يكفي المرء تسجيل الملاحظات ،والتجارب دون محاولة ربطها بفكرة خيالية تؤدي الى معرفة القانون الذي تخضع له الظواهر اذ تتخذ قوة الخيال مظاهر متعددة منها ادراك التماثل في الاشياء المختلفة او التحالف في الاشياء المتماثلة ويرى ان العلم انما ينشأ من علم الرمية او علم الضربة وتسمى هذه الرمية ( الإشراقية) في النقد ب ( لحظة الابداع ) وسماها في وقت مبكر ، بشر بن المعتمر ، ت ٢١٠ ه في صحيفته البلاغة ( بساعة النشاط ) وفي هذه الرمية او اللحظة يكاد ينمحي عنصر الزمان والمكان
والخلاصة ان في أعماق اللاشعور قوى مبدعه تستطيع ان تقود الفرد في سبيل النجاح لو احسن استثمارها وطهرت مما يلحق بها من ادران الهوى والعاطفة الممسوخة وان مايسمى بالحظ عند العامة ناتج عن استثمار هذه القوى اللاشعورية وكثير من الناس ينفعون بهذه القوى في حياتهم العملية من غير ان يعرفوا مصدرها او يفهموا ماهيتها، فينسبونها الى الحظ وليست من الحظ في شيء انها حوافز تنبعث من داخل


الحظ وخوارق اللاشعور بين المحسوس والمعقول من الخيال


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع