مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (255)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


04/01/2025 القراءات: 20  


-النظر إلى الصالحين:
كتب الشيخ الدكتور جمال عزون قائلًا:
خاطرة: نظرة العين إلى هيئة الرجل الصالحِ بصدقٍ، الزاهد بحقٍّ، لها تأثير إيجابي في استقامة الناظر وصلاحه وتشبهه بالمنظور إليه، فكيف لو نظر إلى أعماله وأخلاقه؟ لا ربب أن التأثر يعظم جدًّا، من هنا قال أبو الفضل صالح ابن إمام السُّنة أحمد بن حنبل: "كان أبي يبعث خلفي إن جاءه رجل زاهد أو رجل متقشف لأنظر إليه يحب أن أكون مثله" .. مسلك تربوي جليل كان ينتهجه الإمام من أجل غرس القيم الفاضلة في أولاده عن طريق نظر عيون أبصارهم وقلوبهم إلى سمت الصالحين الأخيار، فشتان بين يفعل هذا وبين من يحث أولاده أن ينظروا بأم أعينهم إلى برامج تافهة بغرض التربية، وفيها وفي غيرها ما تعمى به أبصار القلوب قبل أبصار العيون!
وعلى لسان الابن الصالح صالح قلنا:
يحبّ لعيني أن ترى سَمْتَ صالحٍ ... لعلِّي على دَرْب الصّلاح أرابطُ).
وأحبَّ -سلمه الله- أن أذيل عليه فقلت:
ومَن يصحبُ الأخيار يعلو علوَّهم ... ومَن صحب الأشرار -لا شك- هابطُ
***
-إتمام الختمات:
كتب إليَّ الشيخ الدكتور بلال البحر -وفقه الله- معلقًا على الحلقة (243):
"رضي الله عنكم وعن والديكم شيخنا الجليل ونفعنا بعلومكم ومتعكم بالعافية.
فوائد يرحل لها ولطائف يؤنس بها..
وعلى توجيهكم بتأليفٍ عمنْ أتم الناقص من الكتب .. عندي اهتمامٌ بإتمام نوع آخر، فكلما وقفتُ في ترجمة عالم أو نبيل على أنه مات على ختمة ووقف عند الآية المعينة، شرعتُ في إتمام ختمته له، فابتدأت من حيث وقف وتوفي عليه من الآية، حتى إني أتممت ختمة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه حين قتل على قوله تعالى (فسيكفيكهم الله)، فابتدأت ختمة أهديتها لجناب أمير المؤمنين من قوله تعالى (وهو السميع العليم) تقبل الله منا ومنكم".
قلت: سبحان الله ... هذا شيء لم يخطر ببال أحد.. جزاكم الله خيرًا وتقبل منكم.
وهذه أخبار قد تنفع في مشروعك هذا -على توسع-:
-عن أبي حيان؛ قال: أمّنا زرارة بن أوفى قاضي البصرة في صلاة الصبح، فقرأ هذه السورة، فلما ‌وصل ‌إلى ‌قوله ‌تعالى: {فَإِذا نُقِرَ فِي النّاقُورِ..}. إلخ، شهق شهقة، ثم خر ميتا -رحمه الله-.
-بدأ عمر بعد الفاتحة بسورة يوسف، وكان يحب سورة يوسف، وكان في صوته صحل يخرج من قلبه، فلما ‌وصل ‌إلى ‌قوله ‌تعالى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] انهد يبكي، فبكى الناس جميعًا حتى سمع النشيج من آخر الصفوف، ثم قال: الله أكبر
-استمر الشيخ محمد عبده أكثر من ست سنوات في إلقاء دروس التفسير في جامع الأزهر، مبتدءا من أول القرآن إلى أن ‌وصل ‌إلى ‌قوله ‌تعالى في سورة النساء {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126)}، فكان مجمل ما قرأه ما يقارب خمسة أجزاء في ست سنين. وتوفي.
-جمع ابن الجزري القراءات الاثنتي عشرة بمضمن كتب على الشيخ أبي بكر عبدالله بن الجندي والسبعة بمضمن العنوان والتيسير والشاطبية على العلامة أبي عبدالله بن الجندي، والسبعة بمضمن العنوان والتيسير والشاطبية على العلامة أبي عبدالله محمد بن الصائغ، والشيخ أبي محمد عبدالرحمن بن البغدادي فتوفي ابن الجندي، وهو قد ‌وصل ‌إلى ‌قوله ‌تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ} في النحل.
***
-اجتهدْ واجتهدْ:
أرسلتُ إلى الأخ الدكتور الشيخ عمر العاني هذه الرسالة مما كنتُ دونتُه عنه، -وهو الآن بحريني في البحرين-:
(حدثني أخي الشيخ عمر عبدالعزيز العاني في مدينة الفلوجة يوم الاثنين (11/ 4/ 1983) قال: حدثني أخٌ اسمُه غانم علي أنه سـأل الدكتور سعيد البوطي في بيروت عن الصوفية والوهابية [كذا الخبر] فردَّ عليه قائلًا: اجتهدْ اجتهادَ الصوفية في العبادات، واجتهدْ اجتهادَ الوهابية في مقاومة المنكر).
أتذكر هذا؟
فقال: "ذكرك الله في ملأ الصالحين هذه الحكاية الجميلة دُفنتْ في زوايا الذاكرة. والأستاذ غانم علي المولى عراقي من أصول حموية، وزوجتُه من حماة، خريج حقوق بغداد. انقطعتْ بيننا العلاقة ربما منذ عام ١٩٨٤، واجتمعنا في دارة الفيس بوك، هو الآن محام في مدينة مسيساغا في كندا. درس في دمشق سنتين، ثم نقلَ إلى بغداد، كان يحضر دروس الشيخ البوطي، يشرح كتابه كبرى اليقينيات الكونية".
***
-رحمة الأطفال:
جاء في كتاب "المحبة لله" لأبي إسحاق الختلي (ت نحو سنة 270)» (ص: 98):
«حدثني محمد بن الحسين ثنا أبو معمر عبدالله بن عمرو قال: نظرتْ رابعة [العدوية ت: 180] إلى رياح [بن عمرو] القيسي وهو يقبل صبيًّا، فقالت: أتحبه؟
قال: نعم.
قالت: ما كنتُ أحسبك أن في قلبك موضعًا فارغًا لمحبة غيره تبارك اسمه.
قال: فصرخ رياح وسقط مغشيًّا عليه. ثم أفاق وهو يمسح العرق عن وجهه وهو يقول: رحمة منه تعالى ألقاها ‌في ‌قلوب ‌العباد ‌للأطفال».
قرأتُ هذا يوم الخميس (2) مِن رجب (1446) = (2/ 1 / 2024م) فقلتُ:
نِعْمَ ما قال في الجواب رياحٌ ... -بعد غَشْيٍ أصابَه- للسؤالِ
رحمةٌ مِنْ إلهِنا ألقاها ... في قلوبِ العبادِ للأطفالِ
ورياح وصفه الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (8/ 174) بقوله: «العابد، أبو المهاصر، بصري، زاهد، متألّه، كبير القدر».
***
-الاستغفار من الاستغفار:
قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (8/ 243) بعد ترجمة رابعة العدوية «أما رابعة الشامية العابدة، فأخرى مشهورة، أصغر من العدوية، وقد تدخل حكاياتُ هذه في حكايات هذه، والثانية هي القائلة ما روى أحمد بن أبي الحواري، عن عباس بن الوليد، أنها قالت: أستغفر الله من قلة صدقي في قولي: أستغفر الله».
قرأتُ هذا يوم الخميس (2) مِن رجب (1446) = (2/ 1 / 2024م) كذلك، فقلتُ:
أسنغفرُ اللهَ إجلالًا لمشهدهِ ... مِنْ قلةِ الصدقِ في: أستغفرُ اللهَ
مَنْ قال هذا بلا عزمٍ يؤيِّدُهُ ... فإنّه عن سبيلِ الصدقِ قد تاها
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع