حكم تسليم المسلم لدولة كافرة
الشيخ رضوان نافع | REDOUAN NAFIA
19/12/2021 القراءات: 4200
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه .
أما بعد :
فقد أثار الحكم الصادر عن محكمة النقض بالمغرب قبل أيام بتسليم الناشط الإيغوري إدريس حسن للسلطات الصينية بعد أن اعتقل في مطار الدار البيضاء منذ شهر يوليوز الماضي كثيرا من الجدل وعلت أصوات المنددين بهذا الحكم والمتعاطفين مع هذا الناشط المسلم، وفي مقالي هذا أريد أن أتطرق إلى الحكم الشرعي في تسليم مسلم لدولة كافرة إبراء للذمة و تنويرا للمسلمين .
لا شك أن هناك نصوص شرعية تدل بعمومها أو تنص نصا على أن الأصل عدم جواز تمكين الكفار من مسلم وجعل السبيل لهم عليه لإذلاله أو اضطهاده.
ومن ذلك قوله تعالى : ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾[النساء: الآية 141]
فإذا كان الفقهاء يذكرون من الأحكام التي تتناولها الآية أن الكافر لا يرث المسلم، وأن الكافر إذا استولى على مال المسلم لم يملكه ، و أنه لا يجوز بيع العبد المسلم على كافر ، وأن المسلم لا يقتل بالذمي، فدلالة الآية على عدم جواز تسليم المسلم للكفار من باب أولى، ففي تسليمه لهم أوضح صورة لجعل السبيل للكافرين عليه.
ومن السنة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة" (رواه البخاري ومسلم).
فقوله: "لا يظلمه" هو أمر في صيغة الخبر ، فلا شك أن ظلم المسلم للمسلم حرام، وأي ظلم له أعظم من تسليمه لمن لنا اليقين في أنه لن يحكم فيه بما أنزل الله، بل لنا اليقين في أنه سيظلمه وينتهك حرمته ويذله أيما إذلال، بل الواجب رفع الظلم عن المسلم لا إيقاعه عليه أوتيسير سبيله، ورفع الظلم عن المسلم آكد في حق ذوي السلطان .
قال ابن بطال: «نصر المظلوم فرض كفاية وتتعين فرضيته على السلطان » [ عمدة القاري 12/289]
وفي قوله: "ولا يُسلمه" دليل واضح على عدم جواز إسلام المسلم أخاه للمهالك وذلك بعدم دفع الضر عنه وحمايته من عدوه أو ما فيه هلاكه، هذا إذا كان تسلط عليه بغير فعله، أما أن يكون المسلم هو من يمكن العدو من أخيه وييسر له السبيل إليه بل يسلمه إليه مقيدا ذليلا فهذا أشد وأعظم عند الله .
و يؤكد هذا الحكم ما رواه الطبراني بإسناد جيد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخونه ولا يسلمه في مصيبة نزلت به..." فهل يشك عاقل في كون تسليم المسلم لدولة كافرة تتهمه بما هو منه براء ، و تذله وتنكل به من المصائب الجسام ، ومن الخيانات النكراء.
و من الأدلة أيضا على حرمة تسليم المسلم للكافر حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" (رواه مسلم )
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن خذلان المسلم وظلمه ، وأي ظلم وأي خذلان لإخواننا المسلمين الإيغور المضطهدين أقبح من اعتقال من يدافع عن حقوقهم ويعرف بقضيتهم وتسليمه لجلاديهم من الصينين الكفار ، وأي خذلان لهذا المسلم أقبح من هذا ، بل هذا الفعل جاوز الخذلان إلى الغدر و الفتك ، فهذا المسلم دخل إلى بلادنا مستيقنا الأمان، وواثقا في أخوة الإيمان ، وإلا لو كان يعتقد هذا المسكين خلاف ذلك لما دخل بلادنا أصلا.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الإيمان قيد الفتك لايفتك مؤمن " (رواه أبو داود وصححه الألباني).
و "الفتك هو الغدر يقال فتك به أي اغتاله"[مقاييس اللغة، 4/471]. فالفتك أن يأتي صاحبه وهو غافل فيغدر به فيقتله،
ومعنى قوله: "الإيمان قيد الفتك" أن الإيمان يمنع عن الفتك كما يمنع القيد عن التصرف فكأنه جعل الفتك مقيداً، ومعنى الحديث: أن الإيمان مانع من الفتك الذي هو القتل غدرا بعد إعطاء الأمان، كما أن القيد مانع من التصرف، وما نهي عن الفتك إلا لأنه متضمن للغدر والمكر والخديعة، وتسليم المسلم لدولة كافرة وإن لم يكن فتكا مباشرا إلا أنه وسيلة إليه لا سيما إذا كان متهما بالإرهاب أو الخيانة العظمى أوما شابه .
قال ابن عبد البر رحمه الله : «إذا كان دم الحربي الكافر يحرم بالأمان فما ظنك بالمؤمن الذي يصبح ويمسي في ذمة الله! كيف ترى في الغدر به والقتل؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم: " الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن"»[الاستذكار، 5/35].
وعنْ أَبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبيِّ ﷺ قال: قال اللَّه تعالى: ثلاثةٌ أنا خَصْمُهُمْ يوم القيامة: رجل أعطَى بي ثم غدر، ورجل باع حرّا فأَكل ثمنَه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره (رواه البخاري).
قال الصنعاني: «فيه دلالة على شدة جرم من ذكر، وأنه تعالى يخصمهم يوم القيامة نيابة عمن ظلموه، وقوله أعطى بي، أي: حلف باسمي وعاهد، أو أعطى الأمان باسمي وبما شرعته من ديني، وتحريم الغدر والنكث مجمع عليه» [سبل السلام (2/116)].
وهذا الذي ذكرته من عدم جواز تسليم المسلم للكفار إذا طالبوا به يشهد له فعل الصحابة رضي الله عنهم...لقراءة باقي المقال :
http://howiyapress.com/%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%AA%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%BA%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D8%A5%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D8%B3-%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7/
تسليم المسلم ، إدريس حسن
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
جزاك الله خير