مدونة عبدالحكيم الأنيس


كانوا كثيرًا ما يُنشِدون (1)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


17/11/2021 القراءات: 1258  


يُذكر في تراجم كثيرٍ من العلماء والعبّاد والأدباء أبياتٌ من الشعر كانوا كثيرًا ما يُنشدونها، ويتمثلون بها، ويترنمون بتردادها، وهذه طاقة من ذلك:
-قيل لابن التابعي العابد البكّاء يزيد الرقاشي (المتوفى قبل سنة 120): أكان أبوك يتمثَّل من الشعر شيئًا؟
قال: كان يتمثَّل:
إنا لنفرحُ بالأيام نقطعُها * وكل يوم مضى يُدني من الأجلِ
***
-وقال أبو يحيى الزراد: كنتُ أسمع حسان بن أبي سنان يتمثَّل كثيرًا:
لا صحة المرء في الدنيا تؤخرُه * ولا يقدِّمُ يومًا موتَه الوجعُ
***
-وقال يحيى بن بسطام: قلت لجار أبي مالك ضيغم بن مالك:هل سمعتَ أبا مالك يذكر من الشعر شيئًا؟
قال: ما سمعتُه يذكر إلا بيتًا واحدًا.
قلت: ما هو؟
قال:
قد يخزن الورعُ التقيُّ لسانَه * حذرَ الكلامِ وإنّه لمفوَّهُ
***
-وكان سلطان الزاهدين إبراهيم بن أدهم البلخي (ت: 162) إذا عمل ردَّد:
اتخذ اللهَ صاحبا * ودع الناسَ جانبا
***
-ويُحكى أن الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت: 170) كان يُنشِد كثيرًا هذا البيت، وهو للأخطل:
وإذا افتقرتَ إلى الذخائر لم تجد * ذخرًا يكون كصالح الأعمالِ
***
-وكان الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة (ت: 179) كثيرًا ما يتمثَّل بقول الشاعر:
وخيرُ أمور الدين ما كان سُنَّة * وشرُّ الأمور المُحْدَثات البدائعُ
***
- وكان الإمام القدوة الكبيرعبدالله بن المبارك المروزي (ت:181) كثيرًا ما يتمثَّل:
وإذا صاحبتَ فاصحبْ صاحبًا * ذا حياءٍ وعفافٍ وكرمْ
قوله للشيء لا إنْ قلتَ لا * وإذا قلتَ نعم قال نعمْ
وكان يتمثل:
وكيف تحبُّ أن تُدعى حكيمًا * وأنتَ لكل ما تهوى ركوبُ
وتضحكُ دائما ظهرًا لبطنٍ * وتذكرُ ما عملتَ فلا تتوبُ
وهذان البيتان لأبي العتاهية.
***
-وكان الإمام سفيان بن عيينة (ت: 198) يتمثَّل بهذه الأبيات:
إذا ما رأيتَ المرء يقتاده الهوى *فقد ثكلته عند ذاك ثواكلُه
وقد أشمتَ الأعداء جهلًا بنفسه * وقد وجدتْ فيه مقالا عواذلُه
ولن ينزع النفسَ اللجوج عن الهوى * من الناس إلا وافرُ العقل كاملُه
وكان كثيرًا ما يقول بمكة على ظهر أجياد في آخر عمره، لما ذهب الأشياخ من أهل الحديث والفقه، وبقي:
ذهب الرجالُ فسدتُ غير مسوَّدٍ * ومن الشقاء تفردُّي بالسؤددِ
سمع ذلك منه علي بن خشرم، وبشر بن الحارث الحافي.
***
-وقال الربيع بن سليمان: كتب إليَّ أبو يعقوب البويطي رحمه الله من السجن -وكان الواثق قد سجنه إذ لم يُجب في القرآن- وكان مما كتب إلي: حسِّنْ خلقك لأهلك، واصبرْ نفسك للغرباء، فإني كثيرًا ما كنت أسمع الشافعي يتمثَّل بهذا البيت:
أهين لهم نفسي لأكرمها بهم * ولن يكرم النفسَ الذي لا يهينُها
***
-وكان الإمام الحافظ الناقد يحيى بن معين البغدادي (ت:231) يُنشِد:
المال يذهب حلُّه وحرامُهُ * طرًا وتبقى في غد آثامُهُ
ليس التقي بمتقٍ لإلهه * حتى يطيب شرابُهُ وطعامُهُ
ويطيب ما يحوي وتكسب كفه * ويكون في حسن الحديث كلامُهُ
نطق النبيُّ لنا به عن ربه * فعلى النبي صلاتُهُ وسلامُهُ
***
- وقال أحمد بن عمرو النبيل (ت: 287): صحبتُ النخشبي (هو عسكر أبو تراب توفي سنة 254) في البادية، فلم يكن له زاد إلا هذين البيتين:
رويدك جانبْ ركوبَ الهوى * فبئس المطيةُ للراكبِ
وحسبُك بالله مِنْ مؤنس * وحسبُك بالله مِن صاحبِ
***
-وكان الرجل الصالح المتسنن الناصح أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الحِيري النيسابوري (ت: 298) كثيرًا ما يُنشِد في حال وعظه:
وغيرُ تقيٍّ يأمر الناس بالتقى * طبيبٌ يداوي والطبيبُ عليلُ
***
-وكان إمام عصره في اللغة والآداب والشعر الفائق أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد البصري (ت: 321) كثيرًا ما يتمثَّل:
فواحزني أنْ لا حياة لذيذةٌ * ولا عملٌ يرضى به اللهُ صالحُ
وذُكِرَ هذا مِن قبله عن الإمام أبي حنيفة.
***
-وكان الشيخ الإمام الواعظ الكبير المحدث الصالح أبو الحسين محمد بن أحمد ابن سمعون البغدادي (ت:387) كثيرًا ما يُنشِد هذه الأبيات:
ركبتُ بحار الحب جهلا بقدرها * وتلك بحارٌ لا يفيق غريقُها
وسرنا على ريح تدل عليكم * فبانتْ قليلا ثم غاب طريقُها
إليكم بكم أرجو النجاةَ وما أرى * لنفسي منها سائقًا فيسوقُها
***
-وكان الإمام الشيخ أبو القاسم القشيري (ت: 465) كثيرًا ما يُنشِد:
لو كنتَ ساعة بيننا ما بيننا * وشهدتَ كيف نكرِّر التوديعا
أيقنتَ أنَّ مِنَ الدموع محدِّثا * وعلمتَ أنِّ مِنَ الحديث دموعا
***
-وكان الإمام الحافظ يحيى بن عبدالوهاب ابن منده الأصبهاني (ت: 512) كثيرًا ما يُنشِد لبعضهم:
عجبتُ لمبتاع الضلالة بالهدى * ولَلمشتري دنياه بالدين أعجبُ
وأعجبُ مِن هذين مَن باع دينه * بدنيا سواهُ فهو من ذين أخيبُ
***
-وكان الإمام الفقيه المالكي الزاهد أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي (ت: 520) كثيرًا ما يُنشِد:
إنِّ لله عبادا فطنا * طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
فكروا فيها فلما علموا * أنها ليستْ لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا * صالح الأعمال فيها سفنا
أي عدوا الدنيا بحرًا، واتخذوا من الأعمال الصالحة سفنَ نجاةٍ يعبرون بها إلى الآخرة بسلام وسلامة.
***
-وكان الحافظ الكبير المعمر أبو الطاهر السِّلفي الأصبهاني الشافعي (ت: 576) كثيرًا ما يُنشِد:
قالوا: نفوسُ الدار سكانها * وأنتم عندي نفوس النفوس
***
-وكان سلطان العارفين السيد أحمد بن علي الرفاعي (ت: 578) يترنَّم بهذا البيت:
إن كان لي عند سليمى قبول * فلا أبالي ما يقول العذول
وكان يقول:
ومستخبرٍ عن سر ليلى تركتُه * بعمياء من ليلى بغير يقينِ
يقولون خبرنا فأنت أمينها * وما أنا إن خبرتهم بأمينِ
***
- وكان القاضي الفاضل عبدالرحيم بن علي العسقلاني البيساني المصري (ت: 596) كثيرًا ما يُنشِد:
وإذا السعادةُ أحرستك عيونها * نمْ فالمخاوفُ كلهن أمانُ
واصطدْ بها العنقاءَ فهْي حبائلٌ * واقتدْ بها الجوزاءَ فهْي عنانُ
والبيتان لابن مكنسة: أبي طاهر إسماعيل بن محمد القرشي الإسكندري.
***


شعر الحكمة. التمثل بالشعر. المواعظ


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع