رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب). (2)
د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees
18/04/2022 القراءات: 3258
مجالس الصالحين:
اقتربْ من مجالس الصالحين العامرة بالعلم والإيمان، المشحونة بالذكر والشكر، والمذاكرات النافعة والتجارات الرابحة، وانظرْ إلى حرص السلف على ذلك:
جاء في "فضائل الصحابة" لأحمد بن حنبل (1/ 295): "قال: عبدالله، يعني: ابن مسعود: لمجلسٌ واحدٌ من عمر [بن الخطاب] أوثقُ عندي مِن عمل سنةٍ".
وفي "تاريخ دمشق" لابن عساكر (33/ 152)، و"طبقات القراء" للذهبي (1/13): «عن أبي موسى الأشعري قال: مجلس كنتُ أجالسه عبدالله [بنَ مسعود] أوثقُ في نفسي مِن عملي سنةً».
وجاء في "تاريخ دمشق" (70/ 156): «عن عون بن عبدالله قال: جلسنا إلى أم الدرداء فقلنا لها: أمللناك. فقالت: أمللتموني! لقد طلبتُ العبادة في كل شيء فما أصبتُ لنفسي شيئًا أشفى مِن مجالسة العلماء ومذاكرتهم. ثم اجتنبتْ وأمرتْ رجلًا يقرأ فقرأ: (ولقد وصلنا لهم القول)".
***
الخلوة والأنس وفراغ القلب:
تشتتُ كثرةُ مخالطة الناس القلبَ، وتوزِّع الهمةَ، وتشغل عن كثير من تحصيل العلم النافع، والعمل الصالح، ومَن ذاق لذة الخلوة وفراغ القلب لم يعد يهتم بكثيرٍ مما يهتم به الناس.
قال الشيخ الإمام الزاهد قطب الدين القسطلاني (614-686) كما في "الوافي بالوفيات" (2/ 133):
إذا كان أُنسي في التزامي لخلوتي … وقلبيَ عن كل البرية خالِ
فما ضرَّني مَن كان لي الدهرَ قاليًا … ولا سرَّني مَن كان فيَّ مُوالي
***
شيخ الوضوء (ت: 790):
مِن مهام أهل العلم تصحيحُ عبادات الناس ومعاملاتهم، والشفقة عليهم من ضياع أعمالهم، ومن اللطيف ما قاله الحافظ ابنُ حجر في «إنباء الغمر بأبناء العمر» (1/ 360):
«محمد بن إبراهيم بن يعقوب شمس الدين شيخ الوضوء الشافعي، كان يقرئ بالسبع، ويشارك في الفضائل، وقيل له شيخ الوضوء؛ لأنه كان يطوف على المطاهر فيعلِّم العامة الوضوء».
***
عدمُ ذكر الاسم احترامًا للسلطان:
يَستحضر بعضُ النبهاء آدابًا مستحسنة، وتصرفات لائقة، ومِن ذلك ما كان من جنديٍّ اسمه غازي عُرض على الملك غازي:
قال اليافعي في «مرآة الجنان وعبرة اليقظان» (4/ 23):
"وفيها [في سنة 614] توفي الملكُ الظاهرُ صاحب حلب أبو الفتح غازي بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، كان ملكًا عظيمًا مهيبًا حازمًا متيقظًا، كثير الاطلاع على أخبار الملوك، وأحوال رعيته، عالي الهمة، حسن التدبير والسياسة، باسط العدل، ملقبًا بغياث الدين، محبًا للعلماء، مجيزًا للشعراء، ويُحكى من سرعة إدراكه أشياء حسنة، منها أنه جلس يومًا فعرض العسكر، وكلما حضر واحد من الأجناد سأله الديوانُ عن اسمه، حتى حضر واحدٌ، فسألوه، فقبَّل الأرض، فلم يفطنْ أحدٌ منهم لما أراد فأعادوا سؤاله، فقال الملكُ الظاهر: اسمُه غازي، وكان كذلك، وإنما لم يَذكر اسمه أدبًا لكونه موافقًا لاسم السلطان المذكور".
***
معنى "التعليق" عند الشافعية:
من المهم معرفة المصطلحات وما يقابلها لدى الآخرين، في العلوم المتنوعة، ومن ذلك معنى "الإملاء" و"التعليق":
قال حاجي خليفة في «كشف الظنون» (1/ 160): «الأمالي هو جمع الإملاء. وهو: أن يقعد عالم، وحوله تلامذته بالمحابر، والقراطيس، فيتكلم العالم بما فتح الله سبحانه وتعالى عليه من العلم، ويكتبه التلامذة، فيصير كتابًا، ويسمونه: الإملاء، والأمالي.
وكذلك كان السلف من الفقهاء، والمحدثين، وأهل العربية، وغيرها، في علومهم، فاندرستْ لذهاب العلم والعلماء، وإلى الله المصير.
وعلماء الشافعية يسمُّون مثله: (التعليق)".
***
ذكر اسم الله على الطعام:
الحضورُ في الأحوال عامة له فائدة جليلة في نفس الإنسان وقلبه وجسده، وتطبيقُ السنة سبيلٌ سهل إلى تحصيل الخيرات، ومن ذلك التسمية على الطعام، ولا شك أنه ينزل البركة، ويدفع الضر.
جاء في «الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب» (2/ 193):
قال محمد بن أحمد التستري قريب سهل: «وسمعته [أي سهلًا التستري] يقول:
الأكل على ثلاثة أنحاء:
فآكلٌ يأكل نورًا وإيمانًا مِن أول طعامه إلى آخره.
وآخر يأكل طعامًا.
وآخر يأكل سرجينًا [زبلًا].
فأما الذي يأكل نورًا وإيمانًا فالذي يسمّي الله عز وجل عند كل لقمة ويحمدُه عند إساغتها.
وأما الذي يأكل طعامًا فالذي يسمّي الله في أوله ويحمده في آخره.
وأما الذي يأكل سرجينًا فالذي لا يذكرُ الله في أول طعامه ولا في آخره».
***
حفظ الوقت يثمر العجائب:
أوصل أ. د. عبدالهادي حميتو مؤلفات الداني في كتابه "معجم مؤلفات الحافظ أبي عمرو الداني" إلى (170) مؤلفًا. والكتاب مِن مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية في الرياض (1432-2011م).
هذا إلى اشتغال الشيخين: المؤلِّف والمؤلَّف عنه بالأعمال العلمية، والإقرائية، وغيرها.
***
علامات الرجل الأخروي:
لأهل الدنيا علامات، ولأهل الآخرة علامات:
جاء في "إنباه الرواة" للقفطي (1/ 382):
"قال الخليلُ بن أحمد [الفراهيدي]: أربع تُعرف بهنّ الآخرة:
الصّفح قبل الاستقالة. [أنْ تعفو قبل أن تُستعفى].
وتقديم حسن الظنّ قبل التّهمة. [لا تكن شكاكًا سيئ الخواطر].
والبذل قبل المسألة. [تفقدْ أهلَ الحاجة قبل أن يسألوك]
ومخرج العذر قبل العتب". [اعذرْ قبل أن يُعتذر إليك].
وهذه علامات العقلاء، ومن شأن العقلاء الإيمانُ بالآخرة وملاحظتها والعمل لها.
***
مؤلفات لم تذكر للزَّبيدي:
جهودُ العلماء في خدمة العلم والدين جهود كبيرة، تفوتُ إحصاء المحصين، وتتبع المتتبعين، ومن هنا تُكتشف كل حين مؤلفات لم تذكر، وأعمال لم تشهر، ومِن ذلك وقوف الأخ الكريم المحقق الفاضل الأستاذ محمد فاتح قايا على مجموع خطي فيه ثلاث رسائل للإمام محمد مرتضى الزبيدي لم يذكرها أحد ممن ترجم له، وهي:
تحفة الأحباب في الكنى والألقاب.
الأربعون المؤتلفة فيما ورد من الأحاديث في ذكر عرفة.
رسالة في النقشبندية.
وهي ثابتة النسبة كما قال الأستاذ فاتح في تقديمه لـ "تحفة الأحباب" ص (8-9)، وقد حققها ونُشرتْ في رسائل لقاء العشر بدار البشائر الإسلامية ببيروت سنة (1430-2009)، وقد اكتشف أنَّ المؤلف ذكر "تحفة الأحباب" في كتابه "المعجم المختص".
***
منوعات
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة