تَعْلِيمٌ أَمْ تَعَلُّم؟!
31/12/2021 القراءات: 6615
تعليمٌ أم تعلُّم؟!
✍️ ياسر الدالي.
ذات مرةٍ كُلّفت بتقييم حصةٍ دراسيةٍ لإحدى معلمات اللغة العربية، وكان الدرس في فرع القراءة، وعنوانه(كسوف الشمس)، فوجدت المعلمة بذلت كل جهدها في توصيل معلومات الدرس، بل وتحفيظها للتلاميذ، مستخدمةً الوسيلة التي تبين كيفية حدوث هذه الظاهرة العلمية، وفي جلسة التقييم بعد الحصة، وبعد أن امتدحت أداءها، قلت لها: لقد أدّيت حصةً جيدةً، لكنها ليست في اللغة العربية، ثم دار النقاش معها في بعض الأسئلة الجوهرية، ومنها ما هي مهارات اللغة التي تعلّمها التلاميذ في هذه الحصة؟ وما هي أهداف فرع القراءة لهذه المرحلة؟ وما أنسب الطرق والإستراتيجيات لتدريس مثل هكذا درس؟ أقول: إنّ التعليم التقليدي ضاربٌ في القِدَم، وموجود حتى يومنا هذا بقوةٍ في مؤسسات التعليم، لكنه ما عاد يجدي في عصر الثورة المعلوماتية الهائلة، فباستطاعة طالب اليوم الحصول على المعلومة بضغطة زرٍ واحدة، ولذا فالتساؤل المهم اليوم هو ما الذي نريده في أبنائنا؟! بالتأكيد الجواب حاضر، ما نريده في طفل اليوم أمرين اثنين: مهارة، وقيم، بمعنى أنه يجب إكساب الطفل مهارات المادة التي يدرُسها، ومن ثم غرس القيم السامية المستخلصة منها، ولا يمكن تحقيق هذين الأمرين إلا إذا انتقلنا بكل جِدّيةٍ من التعليم إلى التعلّم، وتجويد مخرجاته، فممارسة التعليم التقليدي بكل طرقه وأساليبه لا ينتج إلا طالبًا معرفيًا بحتًا، يستظهر معلومات المنهج، ويحتفظ بها مؤقتًا، فإذا ما خضع لاختبارات معرفية، سكب تلك المعلومات والمعارف على الورق، وانتهى الأمر. أما إذا انتقلنا إلى التعلّم فالأمر يختلف تمامًا؛ لأن التعلّم جهد ذاتي يبذله المتعلم بمساعدة معلّمه، ويسهم فيه المتعلم إسهامًا حقيقيًا في تنمية مهاراته، وتحسين سلوكه، وما المعلم إلا مرشدٌ، وموجهٌ، ومنظمٌ، ومساعدٌ، وطارحٌ للسؤال الصحيح، ومعطٍ للتعليمات، ومثرٍ للموضوع محل التعلّم، وهو في ذلك يستخدم الطرق الحديثة، والإستراتيجيات النشطة، والأساليب المبتكَرة، والأنشطة المحفزة، والوسائل الجاذبة للتعلّم. فإذا استطعنا أن ننتقل إلى التعلّم بكل منظومته فإننا سنكون حينها قادرين على توجيه أبنائنا نحو المسار الصحيح لهم في امتلاك المهارات المختلفة، وبناء القيم لديهم بناءً صحيحًا، أساسه إدراكنا بأننا نصنع قادة مؤثرين في مختلف جوانب الحياة، يحملون همّ التغيير والإصلاح، ويبذلون مُهَجَهم في تحقيق تطوّر البلد ونمائه. ولكن يا ترى ما هي الخطوات المهمة والضرورية لتحقيق عملية الانتقال هذه؟! تحضرني في هذا الشأن مجموعة من الخطوات، التي لو وجدت الاهتمام الحقيقي، وجرى إعداد خطة عملٍ إستراتيجية لها لأسهم ذلك في تحقيق هذا الانتقال الذي نريده، من هذه الخطوات:
- التركيز على أهداف المواد الدراسية، ومهاراتها المختلفة، وقيمها: وهذا يتطلب معلمًا محترفًا، قادرًا على استخلاصها، وتحقيقها، ووضع آليات مبتكرة لمتابعتها وتنميتها، ومركزًا في ذلك على جودة مخرجات التعلم.
- التخلص من الكثافة الطلابية في الصف: فمن المعلوم أن أعداد الطلاب بلغت في الصف الواحد أرقامًا قياسية، لا يصلح معها ممارسة التعلم، وضمان جودة مخرجاته، ولذا فإننا بحاجة ماسة إلى بناء المزيد من المؤسسات التعليمية التي تستوعب هذه الأعداد، فمنظومة التعلم، وتجويد المخرجات تتطلب توفير بيئة ملائمة، وأعداد طلابية مناسبة لتفعيل وتطبيق هذه المنظومة.
- العمل على خلق الطفل المتسائل: الطفل القادر على طرح السؤال الصحيح، وهذا لا يمكن أن يكون إلا إذا أدركنا أهمية السؤال في عملية التعلم، وأعطينا الطفل الثقة اللازمة، والحرية الكاملة في طرح الأسئلة التي تقوده للتعلم، واستطاع المعلم بما يمتلكه من كفايات متميزة من جذب الطفل، وتحفيزه، وتشويقه، وإثارته عبر الوسائل والأساليب والأنشطة المبتكرة، حتى يتمكن الطفل من طرح السؤال التعلمي الصحيح.. حينها فقط ستتفتح ملكات الطفل ومهاراته، ومن ثم نساعده في تنميتها.
- تفعيل أنشطة المواد، لما لها من أهمية كبيرة في تحقيق التعلم، واكتشاف المواهب، والقدرات لدى التلاميذ، وذلك عبر تشكيل جماعات المواد الدراسية، والتركيز على المبدعين والموهوبين، والعناية الخاصة بهم، وذلك في إخضاعهم لاختبارات ذكاء مختلفة، وتنمية قدراتهم وفق نتائجها.
- معالجة الضعف والقصور لدى التلاميذ أولًا بأول، فمن البديهي وجود الضعف والقصور عند التلاميذ؛ نتيجةً للفروق الفردية بينهم، لكن يجب اتباع طرقٍ علميةٍ بحتةٍ في معالجته، ووضع برامج علاجية، مثل الجلسات الخاصة الفردية المكثفة، والتقوية الجماعية إذا كانت لظاهرة ضعف معينة، وإشراك الأسرة في عملية العلاج، وتشجيع الطفل على تجاوز الضعف، وهي نقطة في غاية الأهمية، كل هذه الطرق وغيرها يجب أن تسير جنبًا إلى جنب، بحيث نضمن تحجيم الضعف في أدنى درجاته إن لم يكن تصفيره. أختم بالقول: بكل تأكيد هناك خطوات أخرى تسهم في تحقيق هذا الانتقال المطلوب، أُبقِي الباب مُشرعًا لاستخلاصها والحديث عنها. والله من وراء القصد.
تعليم
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مقال أكثر من رائع .. مع تعدد وسائل المعرفة وبناء القدرات، أصبح إكساب القيم واكتساب المهارات في حاجة ماسة إلى شيء ثالث هو التركيز. حيث أن المشتتات كثيرة، والنشء تتقاذفهم رياح كثيرة، ويقل التركيز شيئاً فشيئاً كلما اتجه منحنى العمر نحو الفتوة والشباب فالرجولة والرشد والشيخوخة. قوة التركيز تتمثل في التركيز على القيم التي نحن بحاجة إليها اليوم، وعلى المهارات كذلك .. نحتاج لتحديد ماهية هذه القيم، وحصر المهارات التي نحتاجها، كلٌ وما يناسبه، حيث أن محاولة الجمع بين هذا وذاك يزيد من هشاشة المخرجات .. فلا ذا تأتى ولا ذا حصل كما يقال.
بارك الله فيك، مقال رائع جدا وكتب بحرفية بالتركيز على المهارات والقيم ، ونقل التعليم إلى التعلم، وأضيف لنجاح هذا الأمر، إقامة دورات تدريبية للمعلمين تتناسب وهذه المهمة ، لنصل إلى مخرجات تعلم تحقق الأهداف المرجوة مستقبلا. أشكرك .
أبدعت دكتورنا الفاضل في توضيح الفرق و توضيح الالية المناسبة لتحسين جودة التعليم و المضي قدما نحو التعلم
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة