مدونة رائد محمد حلس


المشاريع النسوية والشبابية في أوقات الحروب والأزمات: إنجاز أم استنزاف؟

د. رائد محمد حلس | Dr-Raid Mohammed Helles


31/12/2024 القراءات: 111  


بقلم
د. رائد حلس
باحث ومختص في قضايا الاقتصاد والتنمية
غزة - فلسطين

تشكل الحروب والأزمات أوقاتًا عصيبة للمجتمعات، حيث تتعرض البنية التحتية والاقتصاد والتعليم والنظام الاجتماعي لضغوط هائلة. في هذه الظروف، تظهر الحاجة إلى مبادرات مجتمعية تساهم في تخفيف المعاناة وتعزيز الصمود، بين هذه المبادرات، تحظى المشاريع النسوية والشبابية بدور بارز، كونها قادرة على التأثير السريع في المجتمعات المحلية. لكن يبقى السؤال: هل تُعد هذه المشاريع إنجازًا يُفتخر به أم استنزافًا للموارد في ظل هذه الأوقات الحرجة؟
أهمية المشاريع النسوية والشبابية في الأزمات
المشاريع النسوية والشبابية تحمل قيمة حيوية، إذ إنها تركز على تمكين الفئات الأكثر تأثرًا بالصراعات، مثل النساء والشباب. تُعتبر النساء عنصرًا أساسيًا في بناء المجتمع، حيث يتحملن عبء رعاية الأسرة والحفاظ على التماسك المجتمعي أثناء الحروب. أما الشباب، فيمتلكون الطاقة والإبداع الضروريين لتقديم حلول مبتكرة للمشاكل الناجمة عن الحروب.
في ظل الحرب المستمرة على غزة، برزت العديد من المبادرات المجتمعية التي أظهرت صمود السكان وقدرتهم على التكيف مع الظروف القاسية. إلى جانب المبادرات النسوية والشبابية التي ركزت على الدعم النفسي والاجتماعي والتكنولوجيا، ظهرت مشاريع أخرى متميزة في مجالات حيوية لدعم السكان في تلبية احتياجاتهم الأساسية وتعزيز قدراتهم على الاعتماد على الذات، ومن هذه المبادرات:
1. إنشاء مشاريع أفران الطينة لصناعة الخبز والمعجنات:
في ظل انقطاع الكهرباء وصعوبة الحصول على الوقود، لجأت بعض المجموعات المحلية إلى إنشاء أفران طينية تعمل بالخشب لتوفير الخبز والمعجنات للسكان. ساعدت هذه المشاريع على ضمان توفير الغذاء الأساسي للعائلات، مع تقليل التكاليف وتعزيز التعاون المجتمعي.
2. مشاريع تصليح الملابس:
أسست نساء وشباب مشاريع متناهية الصغر لتصليح الملابس المستعملة، مما ساهم في تخفيف الأعباء المالية عن العائلات. بالإضافة إلى ذلك، أتاحت هذه المبادرات فرصة لتوظيف أفراد المجتمع وتعزيز ثقافة إعادة التدوير.
3. ألواح الطاقة الشمسية لشحن الهواتف المحمولة:
بسبب الانقطاع المستمر للكهرباء، أصبحت الحاجة إلى حلول بديلة ماسة. قامت بعض المبادرات الشبابية بتصميم أنظمة شحن صغيرة تعمل بالطاقة الشمسية لشحن الهواتف المحمولة، مما ساعد السكان على الحفاظ على التواصل مع العالم الخارجي وتلقي المعلومات الهامة.
أثرت هذه المبادرات في تعزيز روح الصمود والتكاتف بين أفراد المجتمع، وتوفير حلول مبتكرة لمواجهة التحديات اليومية، وخلق فرص عمل مؤقتة وتحسين المستوى المعيشي لبعض العائلات، وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية وتشجيع الحلول الذاتية.
هذه المبادرات تعكس قدرة سكان غزة على الابتكار والتأقلم مع الظروف الصعبة، كما تُظهر أهمية الاستثمار في المشاريع الصغيرة لتعزيز الاستدامة في المجتمعات المتضررة.
وعلى رغم الإنجازات الملحوظة لتلك المبادرات والمشاريع، إلا أن هذه المشاريع النسوية والشبابية واجهت تحديات عدة، أهمها:
نقص التمويل: حيث تعاني هذه المشاريع من قلة الموارد المالية، إذ تعتمد معظمها على التبرعات والمساعدات الدولية التي قد تتأخر أو تتوقف بسبب الظروف السياسية.
عدم الاستدامة: كثير من هذه المبادرات تفتقر إلى خطط طويلة الأجل، مما يجعلها عرضة للتوقف بمجرد انتهاء الأزمة أو انقطاع الدعم.
الضغوط الاجتماعية والسياسية: تواجه النساء والشباب على حد السواء تحديات مجتمعية تتعلق بالقيود الثقافية والسياسية التي قد تحد من حرية العمل أو التأثير.
بين الإنجاز والاستنزاف
لإجابة السؤال المحوري حول ما إذا كانت هذه المشاريع إنجازًا أم استنزافًا، يجب النظر إلى تأثيرها المباشر وغير المباشر:
• إنجاز: عندما توفر المشاريع خدمات ضرورية للسكان، مثل الدعم النفسي أو الإغاثة، وتساهم في تعزيز دور المرأة والشباب في المجتمع، فإنها تُعد إنجازًا مهمًا.
• استنزاف: إذا كانت الموارد تُخصص لمشاريع غير فعالة أو غير مستدامة، فقد تتحول إلى استنزاف للموارد والطاقات، خاصة إذا لم تحقق أهدافها المرجوة.
في غزة، نجد أمثلة على كلتا الحالتين. بعض المشاريع النسوية والشبابية أظهرت كفاءة عالية واستجابت لاحتياجات السكان بمرونة وابتكار. على سبيل المثال، المبادرات التي قدمت ورش عمل حرفية للنساء ساعدت العديد منهن في توفير دخل لعائلاتهن. بالمقابل، هناك مبادرات افتقرت إلى التخطيط، مما أدى إلى إهدار الموارد دون تحقيق أثر ملموس.
ويمكن تعزيز دور هذه المشاريع من خلال التركيز على الاستدامة، بحيث يجب أن تتضمن المشاريع خططًا طويلة الأجل تضمن استمراريتها حتى بعد انتهاء الأزمات، وكذلك التعاون مع المجتمع الدولي من خلال تعزيز الشراكات مع المنظمات الدولية لتأمين الدعم المالي والفني، بالإضافة إلى تعزيز المشاركة المجتمعية التي يمكن أن تضمن نجاح المشاريع من خلال إشراك المستفيدين في تصميم وتنفيذ المبادرات، مما يعزز شعورهم بالملكية والمسؤولية، وأخيرًا التدريب وبناء القدرات بحيث يجب التركيز على تدريب النساء والشباب على المهارات التي تلبي احتياجات السوق وتساهم في تعزيز فرصهم المستقبلية.
ختامًا يمكن القول أن المشاريع النسوية والشبابية تلعب دورًا حيويًا في تعزيز صمود المجتمعات أثناء الحروب والأزمات، في غزة التي تعرضت لأطول وأشد صدمة في التاريخ الاقتصادي خلال هذه الحرب، حيث برزت المشاريع النسوية والشبابية كأدوات إنقاذ وابتكار ساهمت في تخفيف معاناة السكان. ومع ذلك، فإن نجاحها يعتمد على مدى فاعليتها واستدامتها. من الضروري دعم هذه المبادرات وتطويرها لضمان تحقيق إنجاز حقيقي بدلاً من أن تتحول إلى استنزاف للموارد.


المشاريع النسوية - المشاريع الشبابية - انجاز - استنزاف


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع