هل المعاني موجودة في الرأس؟
د. روضة جديوي | Dr. Raoudha Djedioui
29/09/2022 القراءات: 1578
قد تبدو الإجابة عن هذا السؤال بديهية ولا تحتاج تفكير؛ فنقول:
- نَعَم، المعاني موجودة في أذهان المتّحدثين الذّين ينتجون التّعبيرات ويفهمونها. لأنّه ببساطة لا يمكننا أن نتخيّل مكاناً آخر لها.
ومع ذلك فإنّني أعترف بأنّ النّظرة التصوّرية للمعنى ليست بديهيّة كما قد يبدو للوهلة الأولى، ولذلك وجب تفسيره (أي المعنى) بشكل صحيح.
فما هي البدائل إذن؟
هناك رؤيتان للمعنى لا ثالث لهما، وكلّ رؤية تقع على النقيض من الأخرى.
- أمّا الرؤية الأولى فتتعامل مع اللّغة -من منظور أفلاطوني- على أنّها كيان مجرّد، بِلَا جسدٍ يمكن توطينه. كالأشياء وقوانين الرياضيات وغيرها، ويُنظر إلى المعاني اللّغوية على أنها غير محدودة، وموجودة بشكل مستقلّ عن العقول والجهود البشرية.
- وأمّا الرؤية الثانية فيعبّر عنها الموقف الموضوعي الذي لا يزال سائدًا في الفلسفة والمنطق والدّلالة الشّكلية، التي تنصّ على أنّ تحديد معنى الجملة يخضع إلى شروط الماصدق أو"شروط الحقيقة"؛ وبما هو عليه العالم من الناحية الموضوعية، بغضّ النظر عن الكيفية التي يمكن تصوّرها.
وكما يتّضح من الطرح السابق فإنّ كلا الخيارين يقفان في تناقض حادّ مع وجهة نظر الدلالية العرفانيّة التي ترى أنّ المعنى مشتق من التجربة الإنسانية الـمُـجَــــسْدَنَة.
تلكم الرّؤية هي التي نراها مناسبة للإجابة عمّا تساءلنا عنه سَلَفاً وهو "هل المعاني موجودة في الرأس"؟
وهو البديل الأكثر منطقيّة والأكثر تعبيرًا عن التوجّه التّفاعلي في أخذه بعين الاعتبار للعنصر البشري في صناعة المعنى، مع ادّعائه أنّ العقل الفردي ليس المكان المناسب للبحث عن المعاني.
وبدلاً من ذلك، يُنظر إلى المعاني على أنّها تظهر ديناميكيًا في الخطاب وفي التّفاعل الاجتماعي. دون أن تكون ثابتة ومحدّدة سلفًا، ويتمّ التّفاوض حولها بفعاليّة من قبل المتحاورين على أساس السّيّاق المادّي واللّغوي والاجتماعي والثّقافي.
إنّ المعنى ليس مَظْهراً مَحَلِيًّا ولكنّه مظهرٌ منتشر متأصّل في كلام الجماعة اللّغوية، في ظروف براغماتيةّ للحدث الكلامي، وفي العالم المحيط بنا. وبالأخصّ إنّه ليس داخل ذهن فرد متكلّم واحد.
المعنى؛ الذّهن؛ النظرة التصوّرية؛ الدلالة العرفانية.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
إنها إحدى القضايا الجوهرية التي مازال علماء اللسان يتناولونها ويطرحونها بمزيد من الفرضيات التي تقدّمها العلوم العصبية والعلوم العرفانية...بوركتِ دكتورة.