الحلم الذي كان يراودني منذ الطفولة
الدكتورة : فاطمة عيسى محمد | Dr.fatma Essa Mohammad
28/05/2021 القراءات: 5189
إنه حلم الطفولة أن أكون معلمة.
ارتبط هذا الحلم بسنوات عمري لأن المعلمة في نظري شيئ عظيم ...إمرأة عظيمة ..محبوبة ...فخورة بنفسها ...معطاءة ..يحبها الناس ...تحترمها الطالبات ...بل هي شيئ لايوصف .
اجتهدت ودرست وتخصصت لأحقق هذا الحلم، كافحت وتغلبت على كثير من المصاعب التي واجهتني من أجل هدف وضعته نصب عيني .
عندما كنت على أعتاب الثانوية فاجاني الأهل بمسألة الزواج، وكأن جبلاً من الهموم حط فوق صدري ... لا ...لا حلمي تبخر ...آمالي تحطمت ... كم كنت اعشق الدراسة، والآن سينافسني عليها الزوج ! ومسؤوليات الأبناء! لكن الأهل أطفئوا لهيب صدري بالموافقة على إمكانية إكمال تعليمي بعد الزواج....فارتاحت نفسي، ومن فضل الله تعالى ودعاء الوالدين كان الزوج نعم الرفيق والداعم والمساند ولله الحمد ، أعانني على تحقيق الحلم .
فأكملت التعليم الثانوي والجامعي وحضرت للدراسات العليا ولله الفضل والمنه، وحصلت على الوظيفة وتحقق الحلم بالإصرار والعزيمة والإرادة القوية وتعاون الأسرة.
كنت مجتهدة في عملي حظيت بتقدير الإدارة والتوجيه الفني وحصلت على تقدير امتياز في سنوات تدريسي، مما أسرع في ترقيتي لوظيفة مساعدة مديرة ثم مديرة مدرسة في وقت قياسي .
اليوم أسأل بناتي الطالبات على أعتاب الجامعة، ماهو هدفك ؟؟
فتنظر إلي الواحدة منهن وهي في حيرة لاتستطيع الإجابة، فالسؤال صعب !! إنها تجد في متناول يدها كل ما تحتاجه وتطلبه، تعيش حياة مترفة، فلماذا تتعب نفسها بالتفكير ... ستقرر حينما يحين الوقت ... المهم أن تنهي الدراسة وتجد وظيفة وستختار ما يتطلبه سوق العمل، ويدر عليها راتبًا أفضل .. فهي لاتحمل هم رسالة!
وتريد أية وظيفة إلا ... أن تكون معلمة فقد كرهت الدراسة والتدريس والمدرسات .
حينما أتقابل مع بعض طالباتي اللواتي قمت بتدريسهن كم أشعر بالسعادة تغمرني فهن يذكرن كل كلمة كنت أقولها، وكل تصرف ترك أثراً في نفوسهن، بل منهن ثلاث أخوات اخترن نفس التخصص الذي كنت أدرسهن ليصبحن معلمات وهن بانتظار توظيفهن .
هذا الموقف يعيدني بالذاكرة إلى سنوات مضت، كان همي أن أسعد طالباتي ، أن أغير سلوكهن، أن أوجههن وأنبههن ، أن أكون مربية ولست مدرسة فقط .
لم يكن همي إنهاء المنهج المقرر ؛ بقدرما كان همي تربيـــــــــة جيل، دروسي كانت تطبيقاً على أرض الواقع أعززه بالأنشطة اللاصفية المتنوعة ... أحببت طالباتي فأحبوني وأحبوا المادة ، حرصنا على الاحترام المتبادل من غير إهانة ولاتجريح ، وإن بدر منهن خطأ يعالج بالتوجيه والنصح؛ لابالتحقير والتهديد بالإدارة على كل صغيرة وكبيرة حتى فقدت بعض الإدارات قيمتها ولم تعد الطالبة تأبه بمعلمة ولاإدارية ..وضاعت هيبة المعلم بين أرتال التوجهات الوزارية والضغوط الوظيفية.
لاأخفيكم سراً أني مازلت أحتفظ بقصاصات الورق والرسائل والورود المجففة والمناديل المعطرة التي كانت تصلني من طالباتي والكثير الكثير من رسائل الإعجاب وقصائد الغزل، بل أحياناً عندما انفرد بنفسي أفتح صندوق الذكريات !!
تجول بخاطري الذكريات فأضحك أحياناً على شقاوة البنات، وتتحجر الدموع في عيناي أحياناً أخرى لما آلت إليه علاقة المعلمات والطالبات في ظل غياب هيبة المعلم ...فلاضير مما نسمع عن عزوف البنات عن مهنة التدريس .
عبرة لمن يعتبر
التعليم أشرف مهنة إنها وظيفة الرسل عليهم السلام، والمعلم هو العالم الذي يعلم الناس الخير قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-
"إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير"
وقال عليه الصلاة والسلام : "إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة"
أعجبتني عبارات أحد التربويين في بحث تربو ي:
قال : إن صناعة المربي ليصنع جيلاً واعياً صالحاً من ضرورات العمل التربوي، والاعتناء بالمربين لا يزال دون المستوى المطلوب، وينبغي أن نعلم أن المتربي لا يتربى على يد المربي من خلال الدروس والتلقين والتلقي فقط، بل يأخذ عنه أضعاف ذلك، من خلال النشاطات والإعجاب الشخصي والمحاكاة، حتى في اللباس والمشي والكلام.
إن شخصية المربي المؤهل المتّزن الشخصية ، القدوة، الذي يضع مخافة الله جل وعلا نصب عينيه، حاملاً هذه الأمانة، مدركًا لآثارها، عارفًا بصعوباتها؛ هو شخصية نادرة يعز وجودها في بعض الأقطار، وحاجة العمل التربوي لمثل هذه القدوات والقيادات،أحوج من مائة موعظة أو توجيه.
إن من أسباب ضعف هيبة المعلم كما ذكرها الأستاذ / عبدالله الحمادي في كتابه هيبة المعلم بين الواقع والطموح ، أسباب ترجع للمعلم كاتخاذه التعليم مهنة لارسالة ، فأصبح جل اهتمامه الدروس الخصوصية ’ إهمال شكله ومظهره ’ محاباة الطلبة وعدم العدل في معاملتهم ’ ضعف القيادة والإدارة الصفية ’ القسوة في توجيه الطلاب وعدم الحرص على بناء علاقة ايجابية معهم ’ فقدان القدوة الصالحة .
هناك أسباب ترجع للأســرة مـثل : ضعف التربية المنزلية وعدم التربية على احترام وطاعة المعلم ، توكيل تربية الأبناء للخدم .
أسباب ترجع للإدارة المدرسية : كفقدان صلاحية المعلم في التوجيه والعقاب، الطابع الدكتاتوري التسلطي لبعض الإدارات ، توتر العلاقة بين التوجيه والمعلم وانعدام الحوافز التشجيعية، وعقم القوانين واللوائح التنظيمية والسلوكية .
هناك أسباب مجتمعية كتأثير وسائل الإعلام وتشويه صورة المعلم ، والعزوف عن القراءة في التراث الإسلامي ،مثال : آداب طالب العلم - وتذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم- وآداب المفيد والمستفيد - وأدب الطلب ومنهاج المتعلم.
وهذه الأسباب مجتمعة كونت منظومة تحدي في المجتمه؛ حتى أصبح المعلم الذي كان عنوان التحدي ومشعل الهداية ومنار القدوة إلى مثير للسخرية والاستهزاء والإهانة .
هيبة المعلم - الإدارة المدرسية - حلم- التعليم - ضعف القيادة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يبني وينشئُ أنفـساً وعقولا — أحمد شوقي جزاك الله خير ووفقك الله وحفظك ورعاك - أحسنت أحسن الله إليك والى والديك وكل عزيز لديك
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة