مسؤولية الاختيار :تفلسف الحمار فمات جوعا
محمد عزيز الضميري | dmiri mohammed aziz
13/10/2020 القراءات: 2600
الانسان في هذا الوجود يعيش مجموعة من التجارب، وتمر به مجموعة من الفرص، وفي بعض الأحيان تأتي مجموعة من الفرص في نفس الوقت، تخيلوا معي بعد اجتيازكم المرحلة الجامعية، تم قبولكم في نفس الوقت في وظيفتين لهما نفس الراتب، ولكم شغف كبير بالوظيفتين، ولهما نفس الدرجة والمرتبة عندكم، ولا يمكنكم إلا اختيار أحدهما فقط، هل ستتمكنوا من تفضيل أحدهما على الآخر؟
مهندس الطرقات، ذلك الحيوان الاليف المذكور في الكتب السماوية، الحمار نال شهرة واسعة مند قديم الزمان لمساعدته للإنسان في الحمل والتنقل بين الفجاج، نشرت حوله مجموعة من النوادر والقصص وضربت به الامثال حتى التصقت به صفة الغباء، في الواقع الحمار ليس غبيا بل هو أكبر مخلوق عرف الصبر فأطلق عليه اسم الصبور، والصبر يبدو دائما جبنا وغباء.
ومن التراث الإنساني نجد قصة حمار بوريدان للكاهن والفيلسوف الفرنسي جان بوريدان، الذي عاش في القروم الوسطى، كان هذا الفيلسوف مهتمًّا بدراسة سلوك الإنسان، وبالتحديد مهتما بمسألة الدوافع التي تحرك الكائن الحي، وتدفعه لما يقوم به من أفعال، وتحدد ما يفضله من اختيارات.
أجرى هذا الكاهن تجربة على الحمار، قال إنه كان عنده حمار كسلان تركه أياما بدون أكل ولا شرب، ووصل لمرحلة متقدمة من الجوع والعطش الشديدين، وبعد هذه المرحلة قدم اليه إناءين مملؤين بالماء والطعام، ووضعهما على يمين ويسار الحمار بنفس المسافة، ولاحظ ان الحمار وقع في حيرة هل يختار الماء أم العلف، وهنا سأل الفيلسوف هل تتوقعون انا الحمار سيختار الماء ام الطعام؟ فاختلف الناس وطال النقاش بين فريق يؤيد فكرة الماء وفريق يناصر فكرة الطعام، والواقع الذي حصل هو ان الحمار بقي في مكانه ينظر جهة اليمين وجهة اليسار حتى سقط مغشي عليه، وسبب هذه الحيرة التي وقع فيها الحمار انه كان امام خيارين متساويين ولا يوجد مرجع يرجع اليه ليرجح جانب على الاخر، كان سهلا عليه الجمع بين الماء والطعام تناوبا حتى يبقى على قيد الحياة، ولكنه مات لأنه بقي مترددًا غير قادر على الاختيار أو التضحية بأمر من أجل الآخر.
هذا ما يقع لبعض الناس عندما تحل ببابهم الفرص، فيغرقون في دائرة الحيرة، ولا يتمكنون من اختيار موقف معين، ويفكرون فيما سيخسرون لو فضّل هذه الوظيفة عن الأخرى، فيغرقون في التردد ويملون الى المقارنة، والمحصلة أنه أحيانا يختارون “أي حاجة” بلا وعي أو إدراك، أو ربما لا يخترون على الإطلاق، فيخسرون بذلك كل شيء كما خسر حمار بوريدان حياته!
لذلك كان حري بالإنسان الذي يمتلك العقل والإرادة ان يختار بعكس الحيوان، فالإنسان كما هو معلوم هو مسؤول عن كل تصرفاته وملزم ضمن هذه الحياة ان يقوم باختيار مجموع من الاختيارات الخاصة به ويدافع عنها بل يتحمل مسؤولية الاختيار.
والآن ما عليك إلا أن تعود إلى سؤالي الذي طرحته في البداية وتحدد ما هي الوظيفة التي ستختارها وتتعلم مسؤولية الاختيار.
مسؤولية الاختيار
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع