مدونة محمود عبد المجيد عساف


التربية على القانون الدولي الإنساني ضرورة حتمية

د. محمود عبد المجيد عساف | Mahmoud A.R. Assaf


12/06/2021 القراءات: 4432  


إن التمييز بين النتائج المقصودة أو المتوقعة لأعمالنا يكتسب أهمية خاصة في تقديراتنا الأخلاقية، فالنوايا تدفعنا إلى الأعمال، وبالتالي تكون لها تبعات في الواقع قد تتجاوز ما هو متوقع، كما أن ما ننوي القيام به قد يكشف الكثير عن شخصياتنا وعن أي نوعية من الناس نحن، ومن ثم فإننا نولي عناية خاصة لنوايا الآخرين تجاهنا، كما يقوم الآخرون بالشيء نفسه تجاهنا.
وعليه كان نبذ الغدر مبدأً ملزماً يجب على المسلمين وغيرهم اتباعه، بما لا يسمح بانتهاك كرامة وحرمة الإنسان باختلاف الأجناس والاديان قبل وأثناء وبعد انتهاء النزاعات المسلحة، باعتبار الغدر اعتداء مقرون بنية مسبقة (مع سبق الإصرار)، وما هو إلا نتاج تراكمات نفسية لاحقة للشعور بالقهر من احد الأطراف، يترجم على شكل اعتداءات على أهداف مدنية غرضها الانتقام.
إن كنا نريد أن ندافع عن أهدافنا المدنية من الاعتداءات المسلحة (الإرهاب) فإننا نحتاج ليس فقط إلى القيام بأعمال مناسبة للتقليل من الضغط المادي والنفسي الذي يعيش في إطاره المواطنون، ولكن علينا أن نكون قادرين على أن نتحدى ونواجه بالحجج والتعليم والثقافة الأيديولوجيات المنافسة التي ينبع عنها الإفراط في التعامل مع العدو أو مع الذات، وأن نكون قادرين على الدفاع عن رؤيتنا المتصلة بالحياة الأفضل، ومجسدين لتعاليم الدين الذي ننتمي إليه، من دون أن نقتصر فقط على حماية الأبرياء من الهجمات العنيفة، بل أيضاً الاهتمام بالحريات والكرامة الإنسانية وسيادة القانون.
ولعل المستقريء للحروب والنزاعات المسلحة الحديثة، يجد أن أطراف النزاع في الغالب تلجأ إلى تدمير الأهداف المدنية تحت تبريرات عديدة، منها أن هذه الأهداف تستخدم لأغراض عسكرية، أو أنها قريبة من أهداف عسكرية، لكن النية التي سبق وأن أشرنا لها ما لم تتوفر هذه التبريرات، هي أن إصابة هذه الأهداف يكون أكثر ألماً ووجعاً من غيرها، مع العلم ان كل الديانات والاتفاقات قد حرمت ضرب الأهداف المدنية، بل تجاوز الأمر إلى أن نصت المادة (55) من اتفاقية لاهاي 1907م على أن تتحمل دولة الاحتلال المسؤولية عن إدارة المؤسسات والمباني العمومية التي تمتلكها الدولة المعادية، والتي توجد في البلد الواقع تحت الاحتلال، وينبغي صيانتها وإدارتها وفقاً لقواعد الانتفاع والإنسانية.
وتأسيساً على ما سبق، وإعمالاً للحس الإنساني في التعامل مع الأهداف وقت النزاعات المسلحة، وجب تربية النشء على احترام مبادئ القانون الدولي الإنساني من خلال مجموعة العمليات التي يكتسب الفرد والمعارف والمفاهيم والقيم والاتجاهات، وأنماط السلوك المختلفة والتي تتم من خلال وسائط اجتماعية وتربوية متعددة من أهمها المدرسة، والجامعة، والأسرة، ودور العبادة، والنوادي الاجتماعية، والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام...وغيرها، وذلك انطلاقاً من مبررات مهمة، هي:
1- التحدي الأخلاقي الذي يمر به العالم اليوم، حيث قل الالتزام الأخلاقي على مستوى الدول والأفراد، وخير دليل على ذلك الانتهاكات اليومية في كل من (سوريا- اليمن- العراق- ليبيا.... وغيرها).
2- الخلط بين القضايا الإنسانية والإرهاب والاحتلال، وسيطرة هاجس الأمن على القانون وحقوق الإنسان وكرامته في النزاعات المسلحة.
وبذلك يمكن القول أنه تعود أهمية المدرسة في مجال تعزيز الوعي بالقانون الدولي الإنساني إلى أنها تمثل الخبرة الأولى المباشرة للطفل خارج الأسرة، حيث تتولى غرس القيم والاتجاهات بصورة مقصودة وليست بصورة تلقائية كما هو الحال في الأسرة. ومن الجدير ذكره أن البدء بتدريس أو تشريب مبادئ القانون الدولي الإنساني يمكن أن يتم منذ اليوم الأول في الدراسة، دون استظهار النصوص او المواد المتعلقة بذلك، فاحترام الفانون الدولي يبدأ من خبرات الطفل الاجتماعية.
لن يتعزز الوعي بالقانون الدولي الإنساني والتربية على مبادئه إلا إذا كان المعلم من المؤمنين بسمو الرسالة الإنسانية، والحاجة إلى القانون وارتباطه بمبادئ الانسانية، وذلك بعد التدريب والتأهيل خاصة لمعلمي التربية الاسلامية، والعلوم الاجتماعية، باعتماد واحد أو أكثر من المداخل التالية، ممزوجاً بجملة من الأنشطة وطرائق التدريس المناسبة.
- المدخل العام: والذي يركز فيه المعلمين على أن جميع الناس تربطهم علاقات انسانية ونظم وأنساق اجتماعية واقتصادية مشتركة، وهذا ما يحتم احترام الكرامة الإنسانية والثقافات ومقدرات الشعوب.
- المدخل الاجتماعي: والذي يركز المعلم من خلاله على أن الإنسان بسلوكه يترفع عن كل ما هو مهين باعتباره مواطناً صالحاً يتحمل مسئولياته تجاه نفسه والآخرين.
- المدخل الديني/ الأخلاقي: والذي يركز المعلم من خلالها على أن مبادئ القانون موجودة أصلاً في الديانات السماوية والشريعة الإسلامية، وأنها لا تختلف من حيث المضمون فيما دعت إليه من الالتزام بالأخلاق عند النزاع المسلح.

إن نشر القانون الدولي الإنساني والتربية عليه يعتبر من الآليات الهامة لتطبيقه وتنفيذه على الصعيد الوطني، ذلك أن النشر يترتب عليه إعلام الكافة بمبادئه والتوعية به، فالجهل به وعدم مراعاته هو على درجة أكبر من الخطورة من الجهل بفروع القانون الأخرى، لأن انتهاكات هذا القانون هي أكبر فداحة من انتهاكات أي قانون آخر، حيث تؤدي هذه إلى معاناة إنسانية وخسائر في الأرواح البشرية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، لا يمكن لضحايا النزاعات المسلحة التمسك بحقوقهم والذود عنها ما لم يكونوا على علم بها.


التربية، القانون الدولي الإنساني، الوطنية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع