مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


الطائفية المنتنة، أ.د. محمد محمود كالو

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


31/08/2024 القراءات: 8  


الطائفية المنتنة
قبل أيام نشر حساب «الإمام الخامنئي» على موقع X (تويتر سابقاً) عدة منشورات أثارت ردود أفعال غاضبة، تقطر طائفية منتنة، حيث جاء في أول هذه المنشورات أن «المعركة بين الجبهة الحسينية والجبهة اليزيدية هي معركة مستمرة، وقد حدّد الإمام الحسين (ع) ماهيّة هذه المعركة وهدفها، قائلًا: "إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من رأى سلطانًا جائرًا. "القضيّة قضيّة الظلم والجور؛ الجبهة الحسينية تقاوم اليوم الجبهة اليزيديّة، أي جبهة الظلم والجور». انتهت التغريدة.
وهنا نقف أمام مصطلحين وردا ضمن المنشور، وهما: «الجبهة الحسينية» التي تعني إيران الطائفية وأذنابها، وأما المصطلح الآخر فهو: «الجبهة اليزيدية» والذي يقصد به أهل السنة والجماعة، وكل مناوئ لإيران، (نسبة إلى الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، الذي قُتل الإمام الحسين بن علي في عهده، وهو الإمام الثالث عند الشيعة الاثني عشرية).
إن الحسين بن علي رضي الله عنهما إمام من أئمة أهل السنة والجماعة، وفي كتب أهل السنة حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي يقول فيه: (حُسَيْنٌ منِّي، وأَنا مِن حُسَيْنٍ، أحبَّ اللَّهُ من أحبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سبطٌ منَ الأسباطِ) [رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي].
أما يزيد فحاكم وليس إماماً لأحد من المسلمين، والظلم والجور الذي تتحدث عنهما فإن شعبك أكثر شعب يعاني منهما، وكذلك كل شعب بلد تسلط عليه ذنباً من أذنابك.
إننا نعلم يقيناً أن مشكلتكم الكبرى هي مع الأمة الإسلامية من أهل السنة والجماعة حصراً، والذي تسميهم «الجبهة اليزيدية» وليس مع إسرائيل وأمريكا ولغة (الشيطان الأكبر)، ففي الوقت الذي ينتظر العالم أجمع رد اعتباركم وتنفيذ تهديداتكم لإسرائيل؛ تركتم كل ذلك وانتقلتم إلى ما تسمونه كذباً وزوراً: «الجبهة الحسينية والجبهة اليزيدية»، فالإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما هو شخصية مميزة في التاريخ الإسلامي، وتظل مكانته عالية عند ربه عز وجل، ومحبته في قلوب المسلمين من مختلف الطوائف، ولا يمكن تحميله مسؤولية القتال والظلم والجور والأفعال الإجرامية التي تُرتكب اليوم باسمه، فالحساب والعقاب في جميع الأديان السماوية والشرائع الأرضية فرديَّان، قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} فلا ينبغي تحميل الرموز الدينية تبعات تصرفات الأفراد مع مرور الزمن.
بعد نجاح الثورة الإيرانية عام 1979 تتابع عدد كبير من الوفود والشخصيات الإسلامية السنية إلى إيران لتهنئة الخميني بنجاح الثورة، باعتبار أن «الثورة» الجديدة في إيران هي ثورة إسلامية بالمعنى الواسع التي تتخطى الحدود المذهبية، قبل أن تُصدَم هذه الوفود السنية الساذجة بصدور الدستور الإيراني الذي نص على مذهب الدولة الطائفية، ففي المادة 12 من الدستور الذي ينص على أن المذهب الرسمي لإيران هو «المذهب الجعفري الاثنا عشري» مع عدم إغفال ترقيم تلك المادة بالرقم 12 ذي الدلالة على الطائفة الاثني عشرية، في تجاوز لحقيقة وجود ملايين أهل السنة والجماعة في إيران ذاتها، ناهيك عن طوائف شيعية أخرى غير الاثني عشرية فيها.
أيها القارئ الكريم: قبل الخميني كان شاه إيران يحلم بتوسيع هيمنته، ومد نفوذه على المشرق كله، فقال له أحد مستشاريه: إنه يوجد سبيلانِ لذلك، لا ثالث لهما: «إما أن تتسنَّنَ إيران، أو يتشيَّع العرب» وهذا بالطبع يعني استحالة تحقيق حلم الشاه.
واليوم يحاول الخميني مرة أخرى تحقيق ذلك الحلم، بعد أن فشل في تصدير الثورة الإيرانية عن طريق الحرب المباشرة مع العراق دامت عدة سنوات، فقام واستعاض عن ذلك بفكرة الميليشيات التي أنشأتها طهران لضمان سيطرتها، والتي أوصلت إيران اليوم إلى السيطرة على أربعة بلدان عربية (العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن)، وعينها على بلدان أخرى، طبعاً تم كل ذلك بتواطؤ مع الغرب، ولكن سيظل تقوقع إيران داخل حدودها المذهبية والطائفية المقيتة والمنتنة عائقاً لمشروعها التوسعي، مهما بلغت قوة هذا المشروع ومن يقف وراءه.
لقد كَسَعَ مُهاجريٌّ أنْصَارِيًّا، فَغَضِبَ الأنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حتَّى تَدَاعَوْا، وقالَ الأنْصَارِيُّ: يا لَلْأَنْصَارِ، وقالَ المُهَاجِرِيُّ: يا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَخَرَجَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: ما بَالُ دَعْوَى أهْلِ الجَاهِلِيَّةِ؟! ثُمَّ قالَ: ما شَأْنُهُمْ؟ فَأُخْبِرَ بكَسْعَةِ المُهَاجِرِيِّ الأنْصَارِيَّ، قالَ: فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: دَعُوهَا؛ فإنَّهَا خَبِيثَةٌ، وفي رواية (دَعُوها فإنَّها مُنتنةٌ) [رواه البخاري ومسلم].
ومعنى (كسَعَ) أي: ضرَبَ دُبُرَه بيَدِه، أو برِجلِه.
وفي الحَديثِ: التَّحْذيرُ مِن كلِّ عَملٍ فيه تَنْفيرُ النَّاسِ عنِ الدُّخولِ في الإسْلامِ.
وفيه: التَّحْذيرُ مِن سُوءِ عاقِبةِ التَّداعي بأُمورِ الجاهِليَّةِ والعَصبيَّةُ القَبَليَّةُ والطائفية المقيتة والمنتنة.


الطائفية المنتنة، الجاهلية، العصبية، الطائفية المقيتة، الجبهة الحسينية، الجبهة اليزيدية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع