العدد الخامس عشر تأملات إعلامية
الجوانب الإعلامية في الدعوة السرية / تأملات إعلامية
19/02/2022
د. طه احمد الزيدي
يقسم علماء السيرة الدعوة في مكة إلى مرحلتين: سرية وعلنية، وامتدت الدعوة بصورتها السرية ثلاث سنوات، وسببها: إن مكة كانت مركز دين العرب، وبها سدنة الكعبة، والقوام على الأوثان والأصنام المقدسة عند سائر العرب، فالوصول إلى المقصود من الإصلاح فيها يزداد عسرا وشدة عما لو كان بعيدا عنها، فالأمر يحتاج إلى عزيمة لا تزلزلها المصائب والكوارث، ولا تخضعها التحديات الجسام، فكان من الحكمة تلقاء ذلك أن تكون الدعوة في بدء أمرها سرية، لئلا يفاجئ أهل مكة ولاسيما صناديدها بما يهيجهم.
المشروعية الإعلامية من المصدر لا المجتمع
المشروعية في العمل الإعلامي والدعوي، يأخذها المرسل من المصدر وليس من المجتمع، وإنما المجتمع هو البيئة الحاضنة والمقصودة من العملية الإعلامية، ولما كانت الرسالة السماوية جاءت بمفاهيم جديدة تغاير كثير من المعتقدات الموجودة في المجتمع المكي، وتعمل على ازالتها أو تغييرها، فمن المؤكد ستواجه رفضا نخبويا ولاسيما من الزعماء لانهم يرونها ستستهدف مراكزهم ومناصبهم وتؤلب الرأي العام المنقاد عليهم.
لذلك اقتضت الحكمة أن تنطلق الدعوة ويكون الإعلام برسالة الإسلام بصورة سرية، ضمن مبدأ التدرج والاستقطاب الجزئي للجمهور واستمالتهم، وتجنب الصدامات مع القوى المتنفذة ماديا ومجتمعيا، ولاسيما عندما يفتقر المرسل إلى القوة المادية الظاهرة.
ولذلك نجد أغلب المؤسسات الإعلامية ولاسيما الهادفة، تبدأ بعد نضوج الفكرة لدى مؤسسها بمرحلة غير معلنة في تأسيسها لترتب وضعها وتستقطب بعض العاملين فيها بعيدا عن الإعلام والتحرك المعلن.
العلاقات العامة المحدودة أساس الدعوة السرية
في أي مرحلة سرية من العمل، فإن أفضل انماط الاتصال المتبع في بيئتها يكون عبر العلاقات العامة المحدودة، وهي نشاط اتصالي يتضمن الجهود المنظمة والعمليات التي تقوم بها جهة لتنظيم العلاقات بينها وبين جمهور العاملين فيها، وجمهور المتعاملين معها في الحال والاستقبال، بهدف تحقيق علاقات إيجابية مع هذه الجماهير لأجل الاقتناع والمشاركة.
وهذا النشاط التواصلي يتلاءم مع متطلبات المرحلة السرية للدعوة والتبليغ، مع مراعاة التحرك الحذر وفق خطة دقيقة مدروسة في اختيار الرعيل الأول أو المجموعة الاولى أو الدائرة الاقرب للمرسل، لتتم مفاتحتهم بالرسالة وإعلامهم بمحتواها، وعادة يكون المرسل على تواصل ومعرفة سابقة بهم، وأن لهم موقفا مسبقا في رفض الواقع الفاسد ورغبة صادقة في اصلاحه.
وعلى ضوء هذه المعاني كان من الطبيعي أن يعرض الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلام أولا على ألصق الناس به وآل بيته، وأصدقائه، فدعاهم إلى الإسلام، ودعا إليه كل من توسم فيه خيرا ممن يعرفهم ويعرفونه، يعرفهم بحب الله والحق والخير، ويعرفونه بتحري الصدق والصلاح، فأجابه من هؤلاء- الذين لم تخالجهم ريبة قط في عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم وجلالة نفسه وصدق خبره- جمع عرفوا في التاريخ الإسلامي بالسابقين الأولين، ويمثلون الرعيل الاول في الدعوة وفي مقدمتهم: زوجة النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، ومولاه زيد بن حارثة بن شرحبيل الكلبي ، وابن عمه علي بن أبي طالب- وكان صبيا يعيش في كفالة الرسول- وصديقه الحميم أبو بكر الصديق، أسلم هؤلاء في أول يوم من أيام الدعوة.
ويلاحظ على هذه الدائرة على ضيقها إلا أنها ضمت نماذج من أطياف المجتمع كافة، السيد الشريف في قومه، والمولى التابع، والمرأة والصبي.
العدد الخامس عشر الجوانب الإعلامية في الدعوة السريةمواضيع ذات صلة