العدد الثاني مقالات
من الظلال الدلالية في سورة البلد / مقالات
03/11/2020
د.بسام مصباح الأغبر
تتجدد معاني الآيات القرآنية في كل وقت وحين، وعندما يتدبر الإنسان آيات خاصة، في وقت خاص، يشعر أنَّ هذه الآيات قد أُنزلت الآن، أو كأنها تخاطبه هو، وهو المقصود بها، ومن تلك الآيات، ما جاء في سورة البلد، في قوله تعالى:(أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ).
وسنحاول الإجابة، في هذه الوقفة، عن مجموعة أسئلة، هي:
1.ما معنى: (مسغبة)؟
2.ما دلالة استعمل المصدر (إطعام) في الآية؟
3.ما الظلال الدلالية لاسم السورة (البلد) مع هذه الآية؟
أولاً- ما معنى (مسغبة):
يعود الجذر اللغوي لهذه الكلمة، كما تذكر المعاجم اللغوية، إلى (سغب) ويعني: الْجُوع، الذي لا يكونُ إلا مَعَ تَعَبٍ، ومن اشتقاقات هذا الجذر: ساغِبٌ وسَغْبانُ وسَغِبٌ، وهي سَغْبَى، وجَمْعُهما: سِغابٌ. وأَسْغَبَ: دَخَلَ في المَجاعَةِ.
وقد ورد معنى هذا الجذر واشتقاقاته في أقوال العرب وأشعارهم، فقال شاعرهم:
فَلَوْ كنت جاراً يا بن قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ
لَمَا بِتَّ شَبْعَانًا وَجَارُكَ سَاغِبًا
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ((مِنْ مُوجِبَاتِ الرَّحْمَةِ إِطْعَامُ الْمُسْلِمِ السَّغْبَانِ)).
وبذلك يكون معنى الْمَسْغَبَة: الْمَجَاعَة، وهي مصدر ميمي.
أما المقصود بِـ «يوم» في (يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ)، فهو زمان وقوع هذه المجاعة، وليس مخصصاً في يوم محدد مضى زمانه، ولكنه يُطلق على أيّ وقت تحدث فيه الأمور العظيمة، والقحط الشديد، ويدخل في معنى هذا اليوم، ما نحياه من بلاء عظيم، وتفشٍ لهذا الوباء، وباء فيروس كورونا، على المستوى العالمي، وما نتج عنه من ضعف، أو انهيار اقتصادي لكثير من العائلات، أو الشركات، أو الدول.
ثانياً- ما دلالة استعمل المصدر (إطعام) في الآية؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، نودُّ الإشارة إلى أنَّ بعض القراءات القرآنية، ومنها قراءة أبي عمرو وابن كثيرٍ والكسائي، قد قرأتْ هذه الكلمة على الفعل الماضي (أَطعم)، في حين قرأتْ القراءات الأخرى، هذه الكلمة على المصدر (إطعام)، ولا يعني ذلك تقليل المعاني الدلالية الناتجة عن هذا الاختلاف، ولكنه، اختلاف يؤدي إلى اتِّساع الدلالات القرآنية.
يؤدي المصدر في السياق اللغوي، دلالات ذات معنى أوسع من الفعل؛ فالفعل يدلُّ على الحدث وزمن وقوعه، والمصدر: الذي يدل على حدثٍ مجرد من زمانه، وهو؛ أي المصدر أصل جميع المشتقات. وقد استُعمال المصدر؛ لأنه؛ أي المصدر، غير محدد بزمن، ومن المعاني التي حملها هذا المصدر في الآية الكريمة، (إطعام) أنَّ هذا الإطعام صفة طوعية فطرية في الإنسان العامل في الأرض، والساعي إلى نشر الخير، والمجتمع الذي يحرص على صيانة أبناء مجتمعه، وفي ذلك فتحٌ لبابِ التكافل على مصراعيه، ودعوة لدفع الصدقات في كل وقت وحين. ويمكن توجيه المعنى في القراءات الأخرى التي قرأت بالفعل، (أَطعم) أنها ركزت على الفاعل، الذي جاء الحديث عنه في الآيات السابقة، في قوله تعالى (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ). وفي ذلك توسع في معاني الدلالات القرآنية، كما قلنا سابقاً.
العدد الثاني الآيات القرآنية ، التدبر ، سورة البلد ، معاني الآيات ،
مواضيع ذات صلة