مظاهر الماركسية في الرواية اليمنية
مسعد عامر سيدون المهري | Musaad Amer Saidoon Almahry
09/03/2025 القراءات: 9
تعد الرواية اليمنية واحدة من الأشكال الأدبية التي عكست التحولات الاجتماعية والسياسية في اليمن عبر عقود من الزمن، حيث تشكلت في سياق تاريخي شهد صراعات طبقية وثورات شعبية وتأثيرات فكرية متنوعة، من بينها الفكر الماركسي. يتجلى الفكر الماركسي في الرواية اليمنية من خلال عدة مظاهر بارزة، تتمثل في تصوير الصراع الطبقي، نقد الظلم الاجتماعي، وتسليط الضوء على الوعي الثوري، مما جعلها منصة للتعبير عن آمال الطبقات المضطهدة وانتقاد الهياكل السلطوية.
أولًا: تصوير الصراع الطبقي
يعد الصراع الطبقي جوهر الفكر الماركسي، حيث يرى ماركس أن التاريخ هو سلسلة من الصراعات بين الطبقات المالكة والعاملة. في الرواية اليمنية، يبرز هذا المظهر في تصوير التناقضات بين الفقراء والأغنياء، أو بين الفلاحين وملاك الأراضي. على سبيل المثال، نجد في أعمال روائية مثل "الرهينة" لزيد مطيع دماج، التي كتبها في ستينيات القرن العشرين، تصويرًا للظلم الاجتماعي الذي يعانيه الفلاحون تحت سلطة النظام الإقطاعي في اليمن الشمالي قبل الثورة. يعكس دماج من خلال شخصياته البسيطة، مثل الرهينة نفسها، كيف تُستغل الطبقة العاملة وتُسلب حقوقها، مما يتماشى مع الرؤية الماركسية التي تؤكد على استغلال البروليتاريا من قبل البرجوازية.
ثانيًا: نقد الظلم الاجتماعي والاقتصادي
الماركسية لا تقتصر على التحليل النظري، بل تسعى إلى كشف الظلم المتأصل في النظم الرأسمالية أو الإقطاعية. في الرواية اليمنية، يظهر هذا النقد في استعراض الفوارق الاجتماعية والاقتصادية التي أثرت على المجتمع اليمني. رواية "صنعاء المدينة المفتوحة" لمحمد عبد الولي تعد مثالًا واضحًا، حيث يصور الكاتب حياة المهمشين في المدينة، وكيف تتحكم الأوضاع الاقتصادية في مصائرهم. هذا النقد لا يقتصر على الواقع المحلي فحسب، بل يمتد ليشمل تأثير الاستعمار والقوى الخارجية، وهو ما يتماشى مع التحليل الماركسي للإمبريالية كامتداد للرأسمالية.
ثالثًا: الوعي الثوري والأمل بالتغيير
من أبرز مظاهر الماركسية في الأدب هو تعزيز الوعي الثوري بين الطبقات المضطهدة، وهو ما نراه في بعض الروايات اليمنية التي كتبت في سياق الثورة اليمنية عام 1962 أو بعدها. على سبيل المثال، في رواية "جبل اللوز" لعبد الله سالم باوزير، يظهر الكاتب شخصيات تسعى للتمرد على الواقع الظالم، وإن لم تكن ماركسية صريحة، فإن الفكرة الأساسية تتسق مع دعوة ماركس للطبقة العاملة للانتفاضة ضد الظلم. هذا الوعي الثوري يعكس إيمانًا بإمكانية التغيير الجذري للمجتمع، وهو جوهر الفكر الماركسي.
السياق التاريخي والثقافي
لا يمكن فهم مظاهر الماركسية في الرواية اليمنية دون النظر إلى السياق التاريخي الذي نشأت فيه. في جنوب اليمن، تبنت الدولة بعد الاستقلال عام 1967 توجهًا اشتراكيًا مستلهمًا من الماركسية-اللينينية، مما أثر على الأدباء والكتاب في تلك الفترة. أما في الشمال، فقد كان تأثير الماركسية أقل وضوحًا بسبب سيطرة النظام الإقطاعي ثم التوجهات القبلية والدينية، لكن ذلك لم يمنع ظهور أفكار نقدية في الأدب تعكس تأثيرات ماركسية غير مباشرة.
التحديات والحدود
رغم وجود هذه المظاهر، فإن الرواية اليمنية لم تتبنَ الماركسية دائمًا بشكل صريح أو أيديولوجي جامد، بل غالبًا ما مزجتها مع خصوصيات ثقافية ودينية محلية. كما أن بعض الكتاب تجنبوا الإعلان عن توجهاتهم الماركسية خوفًا من الرفض الاجتماعي أو الملاحقة السياسية، مما جعل هذه المظاهر تظهر بطريقة رمزية أو غير مباشرة في كثير من الأحيان.
خاتمة
في الختام، يمكن القول إن مظاهر الماركسية في الرواية اليمنية تتجلى في تصوير الصراع الطبقي، نقد الظلم الاجتماعي، وتعزيز الوعي الثوري، لكنها تأتي مشوبة بخصوصية الواقع اليمني. هذه المظاهر جعلت الرواية اليمنية أداة للتعبير عن هموم الشعب وطموحاته، مع الحفاظ على هويتها الثقافية المميزة. ومع ذلك، تبقى دراسة هذا التأثير بحاجة إلى تعمق أكبر لفهم كيف تفاعل الكتاب اليمنيون مع الفكر الماركسي في سياقاتهم المحلية المتنوعة.
الرواية، اليمن، الماركسية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع