مدونة داليا محمد شافع


كيف تعمل آلية السماح بالرحيل؟

داليا محمد شافع | Dalia mohamed shafee


17/03/2025 القراءات: 7  


السماح بالرحيل يعني إدراك شعور ما، السماح له بالظهور، المكوث معه، والسماح له أن يأخذ مجراه دون محاولة تغييره، أو القيام بأي شيء حياله. إنه ببساطة يعني السماح له أن يكون هنا والتركيز على التخلص من الطاقة التي تكمن خلفه.
الخطوة الأولى أن تسمح لنفسك أن تشعر بالشعور بدون مقاومته، أو الهروب منه، أو إدانته، أو تهذيبه. إنه يعني أن تُسقط الأحكام وترى أنه ما هو إلا شعور.
اسمح برحيل رغبتك في مقاومة الشعور، فالمقاومة هي ما تجعل الشعور يستمر، فعندما تتخلى عن المقاومة أو محاولة تغيير الشعور ستتحول إلى شعور آخر وسيُصاحبها إحساس أكثرَ خفة، فالشعور الذي لم تتم مقاومته سيختفي وستتبدد معه الطاقة الكامنة خلفه.
عندما تسمح بالرحيل، تجاهل كل الأفكار التي تراودك، ركزّ على الشعور بحد ذاته، فالأفكار لا تنتهي وتولد المزيد منها وما هي إلا تبريرات من العقل في محاولة تفسير سبب وجود الشعور. أما السبب الحقيقي للشعور فهو الضغط المتراكم خلفه الذي يُجبره على الظهور في لحظة ما، فما الأفكار أو الأحداث الخارجية إلا أعذاراً من صُنع العقل.
مقاومة السماح بالرحيل
إن السماح برحيل المشاعر السلبية يعني حل الأنا التي ستحاول أن تقاوم في كل مرة، من خلال جعل الطريقة محل شك، أو من خلال “نسيان” التسليم أو زيادة مفاجئة في الهروب من الواقع أو التنفيس عن المشاعر بالتعبير والتصرفات. والحل بكل بساطة يكمن في الاستمرارية في السماح برحيل المشاعر التي تنتابك نحو الآلية نفسها. دع المقاومة تأتي ولكن لا تقاوم المقاومة، فأنت حر وليس عليك أن تسمح بالرحيل ولا أحد يجبرك على ذلك.
إدراك المشاعر: وفقاً للنتائج العلمية، فإن كل الأفكار تُحفظ في بنك ذاكرة العقل تحت نظام إيداع يعتمد على المشاعر المرتبطة وتدرجاتها الدقيقة، فتُحفظ بحسب درجة المشاعر وليس الواقع، وبناء على ذلك، توجد قاعدة علمية للمراقبة توضح أن الوعي الذاتي يزداد من خلال مراقبة المشاعر بصورة أسرع وأكثر من الأفكار، فالأفكار المرتبطة بشعور واحد فقط قد تتكاثر فعليّاً إلى آلاف، ولهذا فإن إدراك المشاعر الكامنة والتعامل معها بصورة صحيحة هي أكثر نفعاً وأقل استهلاكاً للوقت من التعامل مع فكرة واحدة.
الشفاء من الماضي: عندما ننظر إلى حياتنا سنجد بقايا أزمات لم تحل حتى الآن، حيث ما تزال الأفكار والمشاعر حول هذه الحوادث القديمة تؤثر في مفاهيمنا، وسنلاحظ أنها تعيقنا في جوانب محددة من حياتنا.
يقال أن أكثر الناس يضيعون حياتهم بالتحسر على الماضي والخوف من المستقبل، ولذلك فهم عاجزون عن الشعور بالفرح في الحاضر، والكثير منا يفترض أن هذا قدر البشر، وأن أقصى ما يمكننا فعله هو “التبسّم ولعق الجراح”. وقد اغتنم بعض الفلاسفة فرصة وجود أسلوب الحياة السلبي والمتشائم هذا وأسسوا أنظمة متكاملة من العدمية. وما هؤلاء الفلاسفة الذين أصبح عددًا منهم مشهورًا مع مرور الأعوام، إلا ضحايا الألم النفسي الذي لم يتعاملوا معه.
يقضي بعض الناس كل حياتهم في بناء نظم فكرية معقدة لتوضيح ما هو واضح بأنه “مشاعر مقموعة”. وإحدى أكثر الطرق فعالية في معالجة الماضي هي خلق سياق مختلف، أي نعطيه معنى مختلف فنأخذ مواقف صعبة سببت لنا صدمة في الماضي ونرى الهبة التي تحملها في طياتها. ويعود الفضل في اكتشاف هذه التقنية لأول مرة في الطب النفسي لــ “فيكتور فرانكل”، وقد شرح هذه الطريقة التي أسماها “العلاج بالمعنى” في كتابه المعروف (الإنسان يبحثُ عن المعنى). حيث أثبتت تجاربه السريرية والشخصية أن المواقف العاطفية والحوادث المؤلمة ستتغير كثيراً وتلتئم إذا ما تم إضفاء معنىً جديد عليها.
فكل تجربة في الحياة مهما كانت “مأساوية” تحمل في طياتها درسًا خفيّا حين نكتشفه ونعترف بوجود هبة بين طياته يحصل الشفاء.
ولهذا فإن أزمات الحياة هي فُرص للنضج والتوسع والتجربة والتطور، وفي بعض الحالات ومع استعادة أحداث الماضي يتبيّن أنه كان يوجد هناك هدف بالواقع خلف الحدث في اللاوعي، وكأن اللاوعي لدينا عرف أن هناك أمراً مهماً لا بد أن نتعلمه، وقد كان مؤلماً لأنها كانت الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تحقق التجربة.
تعزيز المشاعر الإيجابية: إن النتيجة اللازمة للسماح برحيل المشاعر السلبية هي ترك مقاومة المشاعر الإيجابية، فلكل شيء بالكون نقيضه ولهذا فإن لكل شعور سلبي بالعقل نظير، إما قصور أو عظمة، سواء كنا مدركين لوجوده على الدوام في لحظة معينة أم لا.
مثلا: عيد ميلاد أحد الأصدقاء اقترب وفي نفس الوقت يراودنا شعور بالغضب وآخر متعلق بالبخل، ولهذا لا نرغب بالذهاب إلى السوق لشراء هدية، في حين أن موعد الميلاد يقترب أكثرَ فأكثر، وهكذا فإن الشعور المعاكس تماماً لما نشعر به هو الغفران والكرم، وكل ما علينا فعله هو البحث عن شعور الغفران في داخلنا والتوقف عن مقاومته. وبينما نستمر في السماح برحيل مقاومة أن نكون شخص مسامح، سنتفاجأ غالباً بانه يظهر ويتدفق وسنبدأ بعدها بإدراك أن هناك جزء من طبيعتنا لطالما رغب وأراد أن يُسامح غير أننا لم نعطه فرصة.


آلية السماح بالرحيل


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع