اللغة العربية...وماذا بعد؟
د. السيد علي السيد | Dr. El - Sayed Ali El - Sayed Gommaa
27/02/2022 القراءات: 5407
اللغة شأنها في الحياة شأن الماء والهواء والطعام؛ لتعبيرها عن التواصل الإنساني، هذا التواصل هو الجزء المميز في الإنسان، فالإنسان يمارس إنسانيته من خلال ذلك الجزء في ثنايا حياته.
وبالتركيز قليلاً يمكن التعبير عن اللغة بأنها أفكار منطوقة بحروف وكلمات وجمل.
واللغة قبل أن تكون وسيلة للاتصال والتواصل بين أطراف عدة، هي في الأصل ركيزة لبناء المجتمعات والدول؛ فاللغة كما يصنفها علماء السياسة من أهم مقومات بناء الدول، وبقائها ونموها واستمراريتها؛ فقوة اللغة الصحيحة وسيادتها في مناحي حياة المجتمع، دليل على قوة المجتمع ونموه وبقائه، وضعف اللغة وفنائها مؤشر ودليل على انهيار الدولة ودنو أجلها.
الأمر الذي يتأكد من خلال تصنيف العلماء إلى اللغات إلى "لغات حية"، و"لغات ميتة"؛ ويدعوا هذا التصنيف إلى التعجب، فاللغة تحيا، واللغة تموت وتنفى كالإنسان.
ولما للغة من أهمية أيضًا جعلها علماء الثقافة أحد مكونات ثقافة المجتمع الرئيسة؛ فهي روح المجتمعات وسر حيويتها ونمائها.
فالمجتمعات تحى باللغة، واللغة تحييها، والكلمات تؤثر في الأفراد والمجتمعات بشكل مذهل، فحياة اللغة تعني حياة أهلها: حياة ذاكرتهم، وتاريخهم، واعتزازهم بحضارتهم، واسترداد عافيتهم، وزيادة مناعتهم الذاتية، ونهوضهم من جديد.
كما أنه قيل قديمًا أن "اللغة وعاء الفكر؛ فإن استقامت اللغة استقام الفكر، وإن اعوجت اللغة اعوج الفكر"، فاللغة فعالة في الحياة وشئونها المختلفة.
كل ما سبق معلوم بالضرورة لغالبية القراء والمفكرين والباحثين والعلماء؛ وهنا يتأتى لنا أن نؤكد على إشكالية؛ تلك الإشكالية على الرغم من حسمها من الناحية النظرية وفي سياق الخطاب المجتمعي والبحثي؛ إلا أنها دائمًا وأبدًا محل نقاش وجدال وأخذ وعطاء، واستنكار وتهاون، وتسامح، وتغاضي في كثير من الأوقات بين أطرافها.
وتنحصر تلك الإشكالية؛ في "البحث العلمي واللغة"، فمن الطبيعي أن يكون الأمر محسومًا؛ فاللغة وسيلة التواصل والاتصال، بين فئات المجتمعات وأطرافه ومؤسساته وهيئاته المختلفة، ومن الطبيعي أيضًا أن تكون روح هذا المجتمع، وقوتها دليل على فتوة المجتمع وروعنته وشبابه.
هذا مما لاشك فيه، أما البحث العلمي فهو تعبير عن احتياجات المجتمع، تلك أحد أهدافه ووظائفه الرئيسة، وتتغير الاحتياجات وتتنوع باختلاف المجتمعات وتعددها، هذا أيضًا من الطبيعي، لذا فإن التعبير عن الاحتياجات يجب أن يتم بمفردات ومصطلحات ومرادفات واضحة وسليمة لا ريب فيها ولا تأويل.
لذا وجب على المجتمع إحياء اللغة ونفضها مما تعانيه الآن من مظاهر ضعف وشيوع ما يطلق عليه "اللغة العامية"، التي ومازالت محل نقد من المتخصصين؛ لما يشوبها من تشتت وضعف في التركيب والمعنى، فما نستخدمه في حياتنا العامة، في تفاعلتنا اليومية، في مؤسساتنا التعليمية، في محاضرتنا ليست باللغة التي من شأنها أن تحيي الأمة.
وبالتالي، على المؤسسات التعليمية والتربوية والبحثية إحياء اللغة العربية وتصحيحيها وإتقانها في سياق حياتها العامة، والبحث العلمي خاصة، فالبحث العلمي يتطلب نوعًا من الموضوعية، والدقة، والوضوح والتقرير؛ لأن مقاصده وغايته علمية دقيقة.
فنحن ندرس العلم في كثير من الأحيان بلغة أصحابه، فندرس ونفكر، ونستشهد، وتناول ونعالج المصطلحات في سياق أحاديثنا بغير العربية؛ لندل على ثقافتنا، واطلاعنا.
كما أن هناك فرق بيِّنٌ بينَ التسهيل والتساهل، والتطوير والتغيير. فالإنجليز أو الفرنسيون أو اليابانيون، وغيرهم من الأُمم الحيَّة، لا يتساهلون في لغاتهم، بل هم أشدّ غيرة عليها، كما هم أشدّ غيرة على مقدّراتهم التاريخية والثقافية والحضاريّة كافّة.
فالحال لن يتغير بصورة جذرية قبل تطور البحث العلمي نفسه وفرض اللغة العربية كلغة لتدريس العلوم واكتسابها في المدارس والجامعات، من باب "وطنوا أنفسكم".
السيد علي السيد - أستاذ مشارك - كلية التربية - جامعة السويس - جمهورية مصر العربية
26 من رجب 1443هـ - 27 من فبراير 2022
اللغة
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة