مدونة د سالم أحمد باوادي الحسني
الصفح عند المقدرة. اتعبت العلماء من بعد يا ابن تيمية.
د سالم أحمد باوادي الحسني | salem ahmed bawadi
20/03/2022 القراءات: 3014
الصفح عند المقدرة.
((أتعبت العلماء من بعدك يا ابن تيمية))
استقر الملك الناصر محمد بن قلاوون بالكرك من الشام بعد أن ضُيق عليه بالقاهرة , وكتب كتابا لديار المصرية يتضمن عزل نفسه عن الملك.
أثبت القضاة بمصر والشام الكتاب ثم بويع الأمير ركن الدين الجاشنكير بالملك , وبايعه الأمراء والقضاة والأعيان وانتهى الأمر إليه.
سُير الشيخ تقي الدين بن تيمية إلى الاسكندرية بعد إخراجه من السجن في القاهرة, ووضع في برج هناك ثمانية أشهر, فكان الناس في الشام ومصر في خوف شديد من اغتيال الشيخ من قبل الجاشنكير وشيخه نصر المنبجي.
الملك الناصر يستعيد ملكه:
بعد أن مال إليه بعض الأمراء والقادة فرحل إلى دمشق ودخلها مبجلا ملكا, ثم ارتحل إلى غزة, بجيشه وابهته, ثم غادرها متوجها إلى الديار المصرية حاضرة الخلافة, عاد الملك وستقبله الناس , واستعاد سلطته, ولكن الملك لم يكن له ذأب إلا طلب الشيخ تقي الدين بن تيمية من الإسكندرية.
فقدم الشيخ تقي الدين معززا مكرما مبجلا بعد ابتلاء وسجن واتهامات وافتراء عليه, قدما ودخل إلى مجلس السلطان, وهو في حفل عظيم من القضاة والأمراء والوزراء, فتلقاه السلطان, ونهض من مجلسه, ومشى إليه إلى طرف الإيوان واعتنقا هناك هنيهنة, ثم أخذ السلطان بيد الشيخ ومشى إلى شرفة على البستان, فجلسا يتحدثان:
السلطان: ما تقول في هؤلاء القضاة والأمراء, اريد قتل بعضهم؟
تقي الدين: وما جرمهم؟
السلطان: هذه فتاويهم في عزلي ومتابعة الجاشنكير؟
تقي الدين : إن قتلت هؤلاء لن تجد بعدهم مثلهم.
السلطان: انهم أذوك وسجنوك انت أيضا, واردوا قتلك مرارا؟
تقي الدين: من أذاني فهو في حل, ومن أذى الله ورسوله, فالله ينتقم منه, لا انتصر لنفسي.
لازلت الشيخ يدافع عنهم بعد ما فعلوا به ما فعلوا, ولأنه أدرك مراد السلطان, فلم يسوغ له الباطل.
عاد السلطان إلى المجلس ويده في يد الشيخ ولا يدري الآخرون ما دار بين السلطان والشيخ, فجلس السلطان وعلى يمينه جماعة من القضاة والعلماء, وعلى يساره الأمراء والوزراء , وجلس الشيخ تقي الدين على طرف طراحة السلطان.
الوزير يتكلم في اعادة أهل الذمة إلى لبس العمائم البيض والعلائم, وأنهم قد ألتزموا للديوان بسبعمائة ألف في كل سنة زيادة على الحالية.
السلطان يسأل الحضور: ما تقولون؟ يستفتيهم في ذلك؟ فلم يتكلم أحد من العلماء, ولا القضاة. عندها جثا تقي الدين بن تيمية على ركبتيه وتكلم بكلام غليظ ورد على الوزير ردا عنيفا, وجعل يرفع صوته, والسلطان يتلافاه, ويسكنه, ويترفق تؤدة وتوقير, وبالغ الشيخ في الكلام وقال كلام ما لم يقله أحد.....
قال القاضي المالكي ابن مخلوف : ما رأينا مثل ابن تيمية, حرضنا عليه , فلم نقدر عليه, وقدر علينا فصفح عنا وحاجج عنا.
((اتعبت العلماء من بعدك يا تقي الدين , فقد استحقيت لقب شيخ الإسلام بجدارة, وما عند الله خير وابقى..)).
تاريخ ابن كثير (14/ص69) يقول ابن كثير حضر المجلس جمال الدين القلانسي واخبرني بذلك.. وما دار بين السلطان والشيخ على الشرفة يقول ابن كثير: سمعت الشيخ يذكر ذلك.
الصفح
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع