البيانات الكبرى ثورة وثروة ( الجزء الثاني)
17/11/2021 القراءات: 2959
المقال مقتبس من كتاب البيانات الكبرى _ فيكتور ماير وآخرين - ترجمة مكتبة جرير. مع تصرف وإضافات للتوضيح.
...........................................................................................................................................................................................................
في عصر البيانات الكبرى لم يعد مقبولاً إجراء الدراسات والأبحاث على العينات الصغيرة حتى لو كانت العينة عشوائية ممثلة. ولم يعد مقبولاً التنبؤ بالمؤشرات المستقبلية باستخدام العلاقات الخطية وإهمال العلاقات التبادلية التي لا تظهر في البيانات القليلة. ولم يعد ممكناً الاكتفاء بتحليل القيم والمقادير والأعداد و إهمال الصور ومقاطع الفيديو والأصوات والعبارات التي تتردد في ملايين الصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي والتي تعبر عن المشاعر والآراء والرغبات. في عصر البيانات الكبرى سوف تتحدث البيانات ويصمت الخبراء الذين يعتمدون على الحدس والمنطق والتجارب السابقة والنماذج التي يتعلمها الطلاب في الجامعات.
وعندما تتحدث البيانات تظهر النتائج الحقيقية التي يمكن الاعتماد عليها في اتخاذ القرارات حتى بدون معرفة السبب المنطقي الذي يؤدي إلى تلك النتيجة. وكمثال على ذلك فقد كشف تحليل البيانات الكبرى لشركة ماستر كارد أن الشخص الأمريكي الذي يملأ خزان سيارته بالوقود بين الساعة الرابعة والساعة الخامسة مساءً ينفق في الساعة التالية من 35 إلى 50 دولاراً على الطعام والشراب ولا يهم هنا معرفة السبب لكن النتيجة واضحة وصحيحة وقد استفادت منها محال المواد الغذائية والمطاعم ووزعوا إعلاناتهم في محطات الوقود في الوقت المحدد وحققوا زيادة ملموسة في المبيعات. وفي مثالٍ آخر تستطيع شركة إنريكس أن تراقب حالة الاقتصاد العام من حيث النمو أو التراجع من خلال مراقبة أنماط المرور وحركة المركبات في الطرق. وتستطيع وول مارت معرفة الكثير عن زبائنها بما في ذلك حالاتهم الصحية والمزاجية من خلال متابعة مشترياتهم دون أن تهتم بمعرفة الأسباب طالما أنها تستطيع أن تتوقع النتائج.
لكن ماذا عن دخولنا نحن عالم البيانات الكبرى؟ إن كل الظروف متوفرة والبنية التحتية جاهزة والبيانات تتدفق من عندنا ومن عند غيرنا وتتراكم أحجام هائلة منها بانتظار المعالجة والتحليل. والعقبة الوحيدة هي مقاومة التغيير الذي يمارسه البعض ممن يعملون في مجال البيانات والدراسات وبعض المديرين الذين يخططون ويصنعون القرارات. وهؤلاء يسوقون الحجج والذرائع لتبرير هذا التقاعس مثل فوضى البيانات الكبيرة واعتبار الكثير منها نوعاً من الثرثرة وعدم الثقة إلا بالأرقام وغير ذلك من الأوهام التي ستزول قريباً ليكتشف هؤلاء أنهم ضيعوا فرصاً ثمينة وأهدروا أصولاً غالية خاصة إذا كانوا من الذين يلجؤون إلى حذف ما يعتقدونها بيانات غير ذات قيمة.
إن الدخول إلى عالم البيانات الكبرى سوف يفتح المجال أمام التخطيط الذكي الذي لا يعتمد على استيعاب ما قد حصل بقدر اعتماده على توقع ما سيحصل. عندها سوف نتمكن من وضع الحلول ليس للمشاكل التي تظهر وإنما للمشاكل قبل أن تظهر وسوف يتغير مفهوم التسويق من ترويج ما يتم إنتاجه إلى إنتاج ما سيتم احتياجه دون تكبد الخسائر الناتجة عن الهدر والإتلاف وحتى إعادة التدوير. وسوف نحتاج إلى أصحاب المهارة من محللي البيانات أكثر من حاجتنا إلى الخبراء الذين يقدمون الاستشارات.
أما أدوات وتقنيات التعامل مع البيانات الكبرى فهي مختلفة عن التقنيات البسيطة التي نستخدمها مثل برامج إكسل وتطبيقات التحليل المالي والاقتصادي المعروفة. ولا بد من الانتقال إلى أنظمة التحليل الكبرى مثل نظام MapReduceالذي تستخدمه «غوغل» ونظام Hadoopالذي طورته «ياهو» ونظام لينوكس وغيره. والخبر الجيد هنا أن بعض الأنظمة المذكورة تعتبر مجانية وذات مصدر مفتوح مثل Hadoopولينوكس. أما الأجهزة والمعدات فهي متوفرة وبكلفة معقولة، وكل ما هو مطلوب امتلاك الكفاءة في تجميع وتحليل كافة أنواع البيانات دون التفريط في أي مقدار منها ثم تغيير ثقافة التحليل والاستنتاج واتخاذ القرار بالإصغاء لما تتحدث عنه البيانات لا إلى ما تستسيغه أمزجة المتخصصين، حتى لو كانوا من أصحاب الكفاءات. ففي عصر البيانات الكبرى تكون الكفاءة في القدرة على استنطاق البيانات واكتشاف ما تخبئه من كنوز وعلاقات تبادلية قد لا تكون منطقية أو متوقعة أو ملموسة لكنها تتحدث عن الحقائق والنتائج وتقود إلى الاتجاه الصحيح. والأهم أن هذا ليس محصوراً في مجالٍ واحد أو مجالات تقليدية معروفة، بل هو حاضر وممكن في كل المجالات.
البيانات الكبرى/ تحليل البيانات/ القرار
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة