مدونة د . محمد ابراهيم حسن عثمان


أثر السياق في اختلاف مرجع الضمير في القرآن

د . محمد ابراهيم حسن عثمان | Dr.Mohamed Ibrahim Hassan Othman


20/11/2021 القراءات: 2955  


أثر السياق في اختلاف مرجع الضمير
دكتور محمد إبراهيم حسن عثمان،أستاذ بجامعة السلطان عبدالحليم معظم شاه الإسلامية العالمية بماليزيا (UNISHAMS )
في الآية 229 في سورة البقرة بها ضمائر كثيرة ومرجعها يختلف حسب السياق. يقول تعالى :
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)

ففي قوله "ولا يحل لكم" ضمير الخطاب يرجع إلى الأزواج ،
أن تأخذوا (واو الجماعة أيضا عائدة على الأزواج،)
آتَيْتُمُوهُنَّ :نون النسوة عائدة على الزوجات المطلقات ،
يَخَافَا ــ يُقِيمَا ــ عَلَيْهِمَا: ضمير المثنى عائد على الزوجين
خِفْتُمْ : الضمير عائدة على الأئمة أو الحكام أو القائمين على الصلح بين الزوجين .
افْتَدَتْ : تاء التأنيث عائدة على الزوجة التي تريد الخلع أو افتداء نفسها.
والمعنى: ولا يجوز لكم أيها الرجال أن تأخذوا من زوجاتكم في أموال، لأن هذا الأخذ يكون من باب الظلم الذي نهى الله عنه، وليس من باب العدل الذي أمر الله به.
ثم استثنى- سبحانه- صورة يجوز فيها الأخذ فقال: إِلَّا أَنْ يَخافا ، لا يجوز لكم أن تأخذوا في حالة من الأحوال إلا في حالة أن يخاف الزوجان كلاهما أو أحدهما ألا يقيما حدود الله ففي هذه الحالة يجوز الأخذ ،ثم خاطب- سبحانه- الحكام أو الأمراء أو الأئمة أو جماعة المؤمنين المتوسطين للإصلاح بين الزوجين فقال:
إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما أى الزوجان حُدُودَ اللَّهِ التي حدها لهم وأمرهم باتباعها في حياتهم الزوجية «فلا جناح عليهما فيما افتدت به» أى: فلا إثم على(الزوجين )أي لا إثم على الزوج في الأخذ ،ولا إثم على الزوجة في الإعطاء مقابل انفصالها عنه، .
قال الزمخشري في الكشاف: فإن قلت: لمن الخطاب في قوله: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا إن قلت: إنه للأزواج لم يطابقه قوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وإن قلت إنه للأئمة والحكام فهؤلاء ليسوا بآخذين منهن ولا بمؤتيهن؟ قلتُ: يجوز الأمران جميعا: أن يكون أول الخطاب للأزواج وآخره للأئمة والحكام، ونحو ذلك غير عزيز في القرآن وغيره. ويجوز الخطاب كله للائمة والحكام، لأنهم الذين يأمرون بالأخذ والإيتاء عند الترافع إليهم فكأنهم الآخذون والمؤتون»
فكما نلاحظ عدة ضمائر متتالية في آية واحدة ، يفرق بينها السياق ، فمرة يأتي الضمير للمؤنث ومرة للمثنى ومرة لجمع الذكور ، ومرة لجمع الإناث، وهنا تظهر عظمة التركيب القرآني في التنقل بين الضمائر المختلفة ، ولا بأس فاللبس مأمون والسياق حاكم على المعنى . وهكذا يظهر أثر السياق في اختلاف مرجع الضمير ، وفي قوله تعالى : {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ {26} وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ {27} وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ {28} وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ {29} إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ {30} فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى {31} وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى {32} ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى {33} } [القيامة: 26-33] .في هذه الآية لم يأت فاعل للفعل (بلغت)، ولم يرد له ذكر قبل هذه الآية ، فكيف نعرف الفاعل؟! نعرفه من السياق، قال صاحب التفسير الوسيط :والضمير في بَلَغَتِ يعود إلى الروح المعلومة من المقام. كما في قوله- تعالى- فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ.
( لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر )
"أي إذا حشرجت الروح" .وقال صاحب التحرير والتنوير :ضَمِيرُ بَلَغَتِ رَاجِعٌ إِلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ فِي الْكَلَامِ وَلَكِنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ فِعْلِ بَلَغَتِ وَمِنْ ذِكْرِ التَّراقِيَ فَإِنَّ فِعْلَ بَلَغَتِ التَّراقِيَ يَدُلُّ أَنَّهَا رُوحُ الْإِنْسَانِ. وَالتَّقْدِيرُ: إِذَا بَلَغَتِ الرُّوحُ أَوِ النَّفْسُ. وَهَذَا التَّقْدِيرُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ الَّذِي أُسْنِدَ إِلَى الضَّمِيرِ بِحَسَبِ عُرْفِ أَهْلِ اللِّسَانِ، وَمَثَلُهُ قَوْلُ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ:
... وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ الْعَرَبِ «أَرْسَلَتْ» يُرِيدُونَ: أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ الْمَطَرَ،






السياق ـ الضمير ـ مرجع ـ أثر


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


كاتب المقال :Dr. Mohamed Ibrahim Hassan Othman Kulliyyah Bahasa Arab, Universiti Islam Antarabangsa Sultan Abdul Halim Mu’adzam Shah UniSHAMS