لغة القرآن وتميزها على سائر لغات العالمين 1
د/فاطمة عبدالله | Dr. Fatma Abdallah
31/03/2021 القراءات: 1682
(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، (إنا يسرنا القرآن للذكر)، (فإنما يسرناه بلسانك)، (بلسان عربي مبين)
اللغة القرآنية بتراكبيها ومعانيها وتفردها من أعظم اللغات التي نزلت على الأرض إلى يومنا هذا. وقد جاء القرآن الكريم مُعجزا بلغته العربية العذبة، الجزلة، اليسيرة، البلغية التي ليس لأهلها ولا لأهل البلاغة أن يأتوا بمثله فكان هذا إعجاز النبي محمدا صلى الله عليه وسلم ولذا كان هذا القرآن معجزة ومُعجِزا في ذاته بلغته العربية الرصينة الجزلة الفريدة التراكبيب والعبارات والمعاني. فاللغة القرآنية ذات أصل واحد جعل فيها مميزات عدة فلا نرى فيها تناقضا ولا تنافرا بل تضافرا بين مكوناتها تعبرعن واقع الإنسان بكل يسر وسهولة. متصلة الجسور، قائمة الأعضاء نفهمها كما جاءت لأسلاف أسلاف أسلافنا وذلك مبرهن بحفظ القرآن الكريم إلى يوم يبعثون فوصلنا كما أوحاه الله عز وجل إلى جبريل عليه السلام والذي أملاه بدوره لنبيه المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.
والمقال الذي بين أيدينا اليوم نتناول فيه بشكل خاطف وسريع لمحة عابرة عن مبحث من أهم مباحث القرآن الكريم وهو لغته وتراكبيه وألفاظه وكيف كان إعجازه في بلاغته وفصاحته وإيجازه وأنه ليس بنظم ولا نثر وأنه يعلى ولا يعلى عليه مشرق أعلاه مغدق أسفله، مثمر له حلاوة وعليه طلاوة.
ولغة القرآن الكريم يمكن أن نحملها هنا على معنيين أو أمرين: أولهما هو اللغة نفسها أي اللغة العربية وكيف أنه جاء معجز لقوم فيما نبغوا فيه، وثانيهما وهو لغة القرآن ذاتها(اللغة القرآنية) وتمايزها بمعنى إنفراد تراكيبها وإعجازها وإيجازها ولطائفها اللغوية.
فإنه من المعلوم أنه قد ورد في القرآن الكريم ذكر كل حقائق الغيبية الماضية كلها وكان لابد من صياغتها صياغة فريدة بلغة عجيبة هي من جنس لغة القوم نفسها ولكنها بتناغم وبراعة لم يألفوها وبلاغة لم يعهدوها حتي يروي لهم أحداث لم يروها أو يعاصروها فكان كيف لهم أن يعلموا قصة طفل ألقي في اليم وقصة طفل احترق في النار وامراءة آمنت في بيت مشرك وقصص لأصحاب زرع وبساتين.
وقد يقول البعض أنكم يا متحدثي العربية تقولون ذلك لأنها لغتكم فهذا من عواطفكم وميلكم، ونجيب "لا" فلنا من الأدلة المئات والمئات على صحة قولنا. وبالطبع لسنا هنا بمعرض لهذا الحديث وإنما نتناول في هذه اللمحة السريعة مبحثا هاما رائعا وهو روعة اللغة القرآنية (معانيها، تراكبيها، تنفرادها وتفردها).
فكما قال الرافعي كان للعرب دولة من الكلام ظلت بلا ملك حتى جاءها القران. فاللغة القرآنية رائعة وعظيمة من عظمتها عظمة الإيجاز، التوضيح الذاتي لمفرداتها، تراكيبها العجيبة التى بهرت الجميع وصياغتها القرآنية الفريدة وكيف انبهر حتى المشركين الذين سمعوها.ولم ليس لا؟! فللقرآن أعجب وأعظم التأثير على الملائكة والجمادات والصخور فألا تخشع له القلوب!
ومن عظمة اللغة القرآنية أنها شارحة نفسها بنفسها، مفسرة ذاتها بذاتها. فالقرآن تيسرت ألفاظه وشرح نفسه بنفسه فالمفردات القرآنية يمكن شرحها بنفس ذات الآيات القرأنية من سياق مواضع أخرى مغايرة وهو ما يميزه بالإعجاز والفصاحة التي ليست لسواه.
ومن عظمته أيضا أنها جائت ميسرة في نفس الوقت التي جاءت فيه متفردة عما سواها (ولقد يسرنا القرآن للذكر)، (فإنما يسرناه بلسانك) ومن إعجاز اللغة القرآنية الرائعة أيضا إيجازها (الإيجاز): ذلك أن القرآن لديه من القدرة أن يسرد القصص الطويلة في سطرين أوسطر فقط كقصة آدم عليه السلام (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) طه 115 فقد ذكر الله تعالى القصة والداء والدواء وأسبابها ونتائجها فمن ذا يجمع كل هذا في سطر واحد غير إعجاز لغة متناهى البلاغة في لغة قرآنية فريدة من نوعها؟
اللغة القرآنية لغة جميلة: لغة جميلة في ذاتها تدعو للتزين فتختر ألفاظ منمقة راقية حتى لأكثر المواقف حرجا كالزواج والطلاق والعلاقات الزوجية والمواريث ومع هذا كانت لغة غاية في الرقي والجمال (أولامستم النساء)، (كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ )،(همت به)،(والله لا يستحي من الحق)،(أمسك عليك زوجك) وغيرها من استخدام التعبيرات والمفردات الفريدة التي لا يحل محلها أو يسد عنها أي مفردة أخرى فهي الجميلة، من جمالها ورقيها وشمولها ومناسباتها للمعنى (ولكم في القصاص حياة) فتشبية الحياة هناك فريد ومبتكر وهل هناك كلمة أخرى في كل القواميس والتراكيب تسد هذا المعنى الفريد؟! (والضحى والليل اذا سجى) لا يمكن لها من موقع أفضل وأبلغ مما قيل (والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها)، (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار) (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) فليس في ذلك أبلغ مما قيل. (ألم نشرح لك صدرك) الانشراح والشرح هل هناك وصف أعلى دلالة من هذا؟!
واللغة القرآنية لغة جميلة شارحة شاملة جامعة فنجد مثلا (ويل للمطففين) أوليس التطفيف - وهو التعامل غير العادل- في كل شيء وليس في الكيل فقط وإنما في كل أمور حياتنا، العدل في كل أمر وهو القصاص الذي أشارت إليه الآية العدل هو القصاص، (فلعلك باخع نفسك) عبارات بلاغية ليس كمثلها شيء. (اصدع بما تؤمر) أي تشبيه بليغ هذا ؟! أن يصور القلب كالأرض قد يصيبه الشق الفاصل والصدع فيفصل الحق عن الباطل (والأرض ذات الصدع) حتى أن أعرابي سمعها خر ساجدا لأنها وصلت قلبه وخشى أن يصيب قلبه الصدع فخر ساجدا حتى يفصله ذلك الصدع عن عدم التصديق بالله، (ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك) تشبيه بلغ في البلاغة منتهاه فصور الظهر يتفكك قطعة قطعة من فرط الحمل والهموم! فهل أقوى و أعمق وأبلغ من هذا التصوير!
نستكمل معا باقي المقال في الجزء الثاني
#فاطمة_عبدالله #موئليات
تدبر لغة قرآن علم لغة عربية فصحى الفصحى اللغة لغة القرآن اللغة القرآنية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة