نوفمبر.. شهر التعرية الأخلاقية
د. نضيرة بريوة | Dr. Nadira Brioua
19/12/2023 القراءات: 738
بسم الله الرحمن الرحيم أرفع القلم بإذن الله و سداده، فإن أخطأت فمن نفسي و إن أصبتُ فمن الله، و خير ما أفتتح به الكلام كلام الله العظيم حول ابتلاءات الدنيا ونصرة المؤمنين:
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾
يسترجع الجزائريون في الفاتح من نوفمبر من كل عام ذكرى انطلاقة رصاصة -الله أكبر- الثورة الجزائرية المجيدة التي دامت ما بين 1954 و1962 ليذهب ضحيتها مليون ونصف مليون شهيدا خلال هذه الفترة الوجيزة، بعد احتلال فرنسي وحشي بكل المقاييس منذ 1830 ليبلغ ضحايا فرنسا خلال هذه الفترة ما يقارب 7 ملايين شهيدا. ذكرى اندلاع الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي الغاشم والأكثر همجية ووحشية في تاريخ البشرية، الاستعمار الذي أتى على الأخضر واليابس متخذاً عدة أساليب و طرق استعمارية قمعية بداية من سياسة التجهيل وطمس الدين والهوية والثقافة إلى سياسة الأرض المحروقة والتجويع والقتل والتشريد والإبادة. استعملت فرنسا كل أسلحة الدمار والإبادة والقتل الجماعي المروع بغية الاستيلاء على الأرض، وفرض الهوية الفرنسية، واستغلال الثروات ومصادر الجزائر. و مع كل تلك الأساليب الوحشية، فشلت فرنسا في النهاية في فرض بقائها وهويتها وثقافتها ولغتها وهيمنتها على الأرض. إذ ثار المجاهدون الأحرار رجالاً ونساءً في سبيل الله والهوية والأرض ليعلنوا بصوت مدوي "جهاد حتى الاستشهاد."
وها هو نوفمبر اليوم يكشف لنا عن امتداد للثورة الجزائرية في فلسطين، إذ يقوم الكيان الصهيوني الاستعماري بنفس أساليب الاستعمار الفرنسي في غزة من إبادة وقتل وتشريد وتهجير وتجويع و ترهيب. وعلى منوال المقاومة الجزائرية للمحتل، صمد أهل غزة في وجه الاحتلال الغاشم وأمام القتل والمجازر دفاعاً عن الدين والوطن والهوية والثقافة، صمود أهل غزة ورفضهم للتهجير والتمسك بالأرض والهوية هو امتداد لثورة نوفمبر الجزائرية التحريرية، حيث يسيرون على خطى الأحرار الثائرين في وجه الباطل الرافض للاحتلال والاستيطان وتدنيس المقدسات الدينية والوطنية والثقافية. نوفمبر الذي يثبت لنا أن المعركة معركة وجود لا معركة الحدود؛ معركة عقيدة وإيمان لا أرض وأوطان؛ معركة هوية لا قوة؛ معركة لغة ولسان لا استيطان فحسب؛ معركة بقاء أو فناء.
صمود أهل غزة في وجه ما يحاك ضد القضية الفلسطينية من مؤامرات بمساندة بعض الدول الغربية وتواطؤ بعض الدول الاقليمية، أعاد هذه القضية الى الواجهة ووضعها على الخريطة الدولية من جديد ووجد تعاطفاً كبيراً من قبل شعوب العالم الذين وقفوا الى جانب الشعب الفلسطيني لإيمانهم بعدالة قضيته وبالظلم الذي يلحق به. ما حصل في غزة خلط أوراق الكيان الصهيوني، وشتت مخططاته، وبدد كافة التوقعات وعرّى كافة المنافقين والخونة والعملاء، وأظهر بعض زعماء الغرب على حقيقتهم وكشف لعبتهم الكبيرة التي كانوا يختبئون بها من خلال شعارات السلام وحقوق الإنسان. إلا أنّ ذلك السلام المزعوم كان مجرد شعار وذريعة للنفوذ في المنطقة عبر الفجوات التي خلقها فينا بمخططات عبر سنوات مضت و أبرزها:
١- التخلص من الحكام المخلصين الذي أظهروا عداءً للاحتلال الصهيوني والتواجد الغربي في المنطقة وتصفية الرجال الذين كانوا يشكلون خطراً حقيقياً على الاحتلال وعلى رأسهم ياسر عرفات وصدام حسين وغيرهم ممن تم تصفيتهم مع سابق الإصرار والترصد.
٢- استبدال الحكام المغدور بهم بالأيادي الداعمة للكيان من المتخاذلين والمتواطئين الذين سهٌلوا وما يزالون اختراق الكيان لحدود المنطقة الجغرافية والدبلوماسية والاجتماعية والاقتصادية.
٣- إشعال الحروب الطائفية والاثنية في المنطقة من أجل إضعاف الأمة الواحدة وتفكيكها (وقد نجحوا في ذلك للأسف) من أجل إلهاء الناس عن القضية المركزية وعن الاحتلال.
٤- خلق المجموعات والمليشيات المشبوهة من أجل استخدامها كمبرر لتسهيل التدخل والهيمنة على دول المنطقة واضعافها وإغراقها في المشاكل.
٥- دعم الأنظمة المستبدة والتغطية على سياساتهم القمعية ضد شعوبهم والمتمثلة في قمع الحريات وسجن الأبرياء ورجال الإصلاح ودعاة التغيير والعلماء واستبدالهم بعلماء السلطان.
٦- التطبيع مع الكيان الصهيوني من طرف بعض حكام المنطقة واقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية واجتماعية وسياسية مكّنت الكيان من القوة المادية والنهوض بنفسه للمواجهة.
٧- تآمر البعض على أهل غزة والعمل على القضاء على فكرة استرجاع الحقوق واستبدالها باستسلام بدون مقابل.
٨- إفساد وإلهاء الشعوب وخاصة الشباب، وخلق أجواء الانحلال الخلقي والفساد الفطري، ودفع الشباب لعالم التفاهة.
جاءت هذه الحرب لتكشف لنا أوجه متشابهة في المعارك السابقة بين أصحاب الحق والمعتدين، بين أصحاب الأرض والمحتلين، وعن أوجه مشابهة للمؤامرات السابقة والنفاق والخذلان الذي يتعرض له الصامدون ضد الباطل عبر التاريخ و المعارك التحريرية داخليا وخارجيا لتبرهن لنا أن الأرض لا يدافع عنها إلا أصحابها المؤمنون الثابتون على الحق، وكشفت حقيقة بعض دول الغرب والمستعمرات الغربية الأوروبية عبر التاريخ ومدى وحشيتها وتظاهرها بالدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان في الوقت الذي تقوم بانتهاك الحريات وحقوق الإنسان. لقد عرّت هذه الحرب وما سبقها من الثورات التحررية ضد الاستعمار الغربي حقيقة الشعارات التي كانت تُحمل من طرف الغرب والمنظمات الإنسانية و الأحزاب السياسية باسم السلام وحقوق الإنسان والديمقراطية والسامية. غير أنّ هذه الشعارات برهنت بالأدلة الواقعية الملموسة اليوم أنّ الشعار الوحيد الذي يسعى له الغرب هو السامية الغربية والمركزية الأوروبية باسم "الأنا" العليا المهيمنة المسيطرة التي تهمش و تلغي الشعوب الاخرى باسم "الآخر" المتخلف المتدني. فاليوم الأطفال والنساء والشيوخ و الأبرياء عامة يقتلون بدم بارد.
طوفان الأقصى فلسطين غزة العدوان الإنسانية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة