العدد الرابع قراءة في كتاب
صناعةُ الهوية العلمية للعلماء والخبراء والباحثين / قراءة في كتاب
11/11/2020
: د.سيف السويدي ـــ أ.طارق برغاني
يعد هذا الكتاب واحدا من أهم المؤلفات العلمية التي تقدم خريطة طريق متكاملة للعلماء والخبراء والباحثين الناطقين بالعربية أينما كانوا في كيفية تسويق منتجهم العلمي، وجعلهم يحتلون المكانة التي يستحقونها بين أقرانهم في مختلف أرجاء المعمورة، لا سيما وان ما يقدمونه يشكل مكسبا علميا كبيرا في مختلف المجالات العلمية الانسانية والتطبيقية .. مجلة « صدى أُُريد « وحرصا منها في إتاحة هذا الكتاب للجميع ستقدمه على أجزاء، وهي تقدم شكرها وثنائها لمؤلفي الكتاب د.سيف السويدي و أ. طارق برغاتي على موافقتهما على نشره من باب ( زكاة العلم نشره ) نسأل الله أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتهم .
خلق الثقة لدى الجمهور وكسب محبته
الثقة شعورٌ متبادل بين شخصين أو مجموعة من الأشخاص، يتولد وينمو تدريجيا في نفوسهم حتى يترسخ فيها فيصير محبة متبادلة، عرفها علماء النفس بأنها «حالة نفسية تتسم بالاستعداد لقبول تأثير الآخر بناء على اعتقادات تفاؤلية أومطمئنة..» ، وهو يبتدئ من الذات أولا فلا يتصور كسب ثقة الناس فيك ومحبتهم لك، دون أن تكون واثقا في نفسك أولا، «أول خطوة في طريق تغيير صورتك عن ذاتك هو أن تترك اجترار ذكريات الفشل، وأن تبحث عن مصادر ثرائك وقوتك ونجاحاتك السابقة...وكل ذلك يسهم في بناء صورة قوية عن ذاتك...فتؤمن بنفسك، وتحب نفسك وتثق بنفسك...ابْنِ صورتك عن ذاتك من خلال خبرات النجاح السابقة لك، في كل صباح قل لنفسك لقد ولدت لكي أنجح ... أنا أستحق النجاح...لقد نجحت في مرات سابقة...وأي نجاح أحرزه يسهم في بناء صورة إيجابية جميلة قوية عن ذاتي...»
وتحصيل ثقة الناس عنصر أساسي لا بد للباحث من تنميته في فئته المستهدفة؛ لأنه «لا نجاح بدون الناس ولا طعم لنجاح بدون ناس، الناس شهود على نجاحك، ويجب أن يستفيد الناس من نجاحك...» ، لذا على الباحث الاطلاع على الطرق والأساليب والتوجيهات التي يقدمها علماء النفس في هذا المجال، حتى يتأتى له بناء الثقة في نفوس جمهوره على الوجه الصحيح، من بينها:
-أن يُصدّقك الناس، وأن يشعروا بإخلاصك.
-التمتع بقوة الإقناع.
-تقبل نجاح الآخرين والثناء على إنجازاتهم.
-عدم الحكم على الآخرين.
-كبح «الأنا» السلبية من توجيه التصرفات والسلوكات.
-عدم افتراض أن الآخرين يعرفون ما الذي تريده وما الذي تشعر به، وإنما يجب القيام بإخبارهم.
-افتراض حسن النية في العلاقات مع الآخرين، والتحلي بالمرونة.
-الإيمان بالقدرة على تحقيق التغيير في الحياة الشخصية أولا وبالتالي في حياة الآخرين .
-اسمع الآخرين يسمعوك...وافهمهم يفهموك.
-لا تنسى أن تكون مبتسما معظم الوقت.
وقد حدد ديل كارنيجي في كتابه «كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس؟» ستًّا من الطرق لجعل الناس تحب شخصا ما وهي:
-أظهر اهتماما حقيقيا بالآخرين.
-ابتسم.
-تذكر أن اسم الشخص هو أجمل وأحب الأسماء إليه.
-كن مستمعا جيدا، وقم بتشجيع الآخرين.
-تحدث فيما يسر ويسعد محدثك ويمتعه.
-جعل الشخص الآخر يشعر بالأهمية، افعل ذلك بصدق .
إن استشعار الآخرين حبك الخير والنجاح لهم، وإحساسهم بأنك تسعى لإسعادهم وإفادتهم دون مصلحة خاصة أو مقابل مادي، وأن حبك لهم نابع من نية خالصة ورغبة صادقة لهي أفضل المفاتيح للدخول إلى قلوبهم وأقصر الطرق لكسب ثقتهم، «قرر أن تكون سعيدا وأن يكون الناس سعداء...أن تنجح وينجح معك كل الناس...أن تربح وتكسب وتنتظر، وأن يربح ويكسب وينفق معك كل الناس، أن تتمنى الخير لنفسك ولغيرك في نفس الوقت...» .
تحديد وفهم السمات الشخصية للفئات المستهدفة
إن الفهم الصحيح لحاجيات الناس ورغباتهم، مشاعرهم وميولهم، اهتماماتهم وسماتهم يعد من أهم الأمور التي يتوجب على الباحث إدراكها وتلمسها في جمهوره، «الناس يختلفون في طباعهم وطرق تعاملهم، بينما أكثر الناس سيكونون لطفاء ومؤدبين وحريصين على الاستفادة منك ويسعدهم نجاحك، إلا أنه في حالات قليلة قد يظهر من بينهم من يتحدث بأسلوب جاف أو غير مؤدب أو غير ذلك من الأساليب المزعجة...» . وكل تلك الخصائص تستمد أسسها النظرية من علم النفس الاجتماعي، ولعل أول معين للباحث على القدرة على فهم السمات الشخصية لمستهدفيه بشكل أكثر وضوحا وسهولة هو تحديده الدقيق والصائب لهذه الفئة من خلال طرح مجموعة من الأسئلة عند التخطيط لاستراتيجية بناء علامته (ماركته) الشخصية، من قبل: من هم الأشخاص اللذين سأستهدفهم؟
كيف يفكرون وكيف يتصرفون؟
ما هي غرائزهم، دوافعهم وانشغالاتهم؟
ما طبائعهم النفسية وما ردود أفعالهم المحتملة؟
بماذا يتميزون عن باقي الفئات؟
ما هي نقاط الاختلاف والاتفاق التي تجمع بينهم؟
إلى أي حد يمكنني التأثير فيهم؟
ما هي الخطة الواجب اتباعها لتحقيق ذلك؟
ما هو مستواهم المعرفي-الثقافي، فئتهم العمرية، مكانتهم الاجتماعية، جنسهم (نساء، رجال)؟
ما هي الوسائل المفضلة لديهم في التواصل: تواصل حضوري مباشر، ندوات جماعية عامة، محاضرات فئوية خاصة، تواصل غير مباشر عن طريق الأنترنت ووسائل الإعلام؟
إن الأجوبة عن هذه الأسئلة والمقارنة بين جميع المعطيات المحصلة من شأنه تشكيل صورة واضحة ومتكاملة وأقرب إلى الواقعية حول السمات الشخصية للآخرين: «لكل منا نمط الاستجابة الفريد الخاص به، فلا يوجد نمط واحد يناسب الجميع، لذلك يكون هدفك...مقارنة ما تسمعه وتراه مع ما يجول داخل صدور الآخرين...» .
التأثير الفعال في الآخرين
للتأثير الفعال قوة عجيبة في جذب اهتمام الناس وكسب ثقتهم وهو بذلك يكون سببا في الحصول على المزيد من المهتمين من جهة، كما يعدُّ تحصيلا لما اكتسبه الباحث حول سمات جمهوره وفهمه لطباعهم ورغباتهم من جهة أخرى، «إن قراءة أفكار الآخرين وتصرفاتهم له أهمية شديدة في تحقيق تأثير إيجابي على الآخرين، وإذا لم تتمكن من ذلك فلن تعرف قط ما إذا كان ما تفعله يؤتي ثماره أم أنه غير مُجدٍ، وما أن تعرف مدى تأثيرك فيمن حولك يمكنك التصرف وتغيير ما تفعله حتى تجد وسيلة فعالة لتحقيق مآربك...» . فكلما تعمق الباحث في إدراك أسباب وآليات التأثير في مستهدفيه، تمكن من إثارة إعجابهم وشد انتباههم وكسب تأييدهم. «كيف يمكن أن تتمتع بنفوذ وتأثير في آن واحد؟ لقد فهم اليونانيون ديناميكيات هذا الأمر منذ ما يربو على 2500 عام مضت، ففي كتابه «فن الخطابة» حدد «أرسطو» ثلاث طرق تمثل جوهر القدرة على التأثير في الآخرين والتي أطلق عليها الطريقة الأخلاقية والطريقة المنطقية والطريقة العاطفية، وعندما تمزج بين هذه الطرق الثلاث، فإنك تضع بذلك خطة محكمة لإقناع الآخرين بقضيتك» .
ولا بد هنا من الإشارة إلى بعض ما تحمله هذه الطرق الثلاثة من معانٍ، وما تقوم به من وظائف في إحداث تأثير في الآخرين.
الأخلاق: هي مصداقيتك، وكونك جديرا بالثقة...أنت في حاجة لإقناع الآخرين بأنك تمتلك المعرفة والمهارات وأهم من ذلك الشخصية المطلوبة.
المنطق: يقصد به الحجج المنطقية والأسباب التي تطرحها، فالمنطق يخاطب الفكر ويناشد العقل، فبعض الأشخاص يجدون الحقائق والأرقام مقنعة للغاية، وأغلبنا يتأثر بها إلى حد كبير، وعدم توافر أسس سليمة وقوية لما نطرحه من أفكار من شأنه تقويض قدرتنا على إقناع الآخرين.
العاطفة: الأحاسيس والمشاعر التي تعبر عنها عندما تتواصل مع الآخرين وما تثير فيهم من أحاسيس بالتبعية، إنك في حاجة إلى أن تكسب قلوبهم وعقولهم في آن واحد، وأفضل الطرق لتحقيق ذلك هو أن تكون عاطفيا ومتحمسا، وفي وسعك مناشدة عاطفة الآخرين من خلال نسج القصص الخيالية وإعطاء الأمثلة الحية واستخدام لغة تعتمد على الألفاظ الحسية لجعل ما تسوقه من حجج مقنعة ينبض بالحياة» .
العدد الرابع الهوية العلمية ، تحديد السمات الشخصية ، الدوافع ، الاختلاف ،مواضيع ذات صلة