مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو
النصر المحمود.. والنصر المذموم
الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU
11/02/2025 القراءات: 6
ثانياً: نصر المظلومين والمستضعفين، فقد حَثَّ الله عز وجل عباده المؤمنين وهيجهم؛ لنصرة إخوانهم المستضعفين الذين وقع عليهم الظلم من الأعداء، قال سبحانه وتعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75]، أي: ما الذي يمنعكم عن الجهاد في سبيل نصرة دين الله تعالى، ونصرة عباده المستضعفين من الرجال والنساء والصغار الذين اعتُدي عليهم، ولا حيلة لهم ولا وسيلة لديهم إلا الاستغاثة بربهم، والمراد بالاستفهام تحريضهم على الجهاد، والإنكار عليهم في تركه مع توفر دواعيه.
أما النصر المذموم فله صور أيضاً، منها:
أولاً: نصر المعبودات من دون الله سبحانه، قال الله تعالى على لسان بعض قوم إبراهيم عليه السلام لبعض: {حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 68].
ومعنى الآية: إن كنتم ناصرين آلهتكم نصرًا مؤزرًا، فاختاروا له أفظع قتلة، وهي الإحراق بالنار، وإلا فقد فرطتم في نصرها، وأسند قول الأمر بإحراقه إلى جميعهم؛ لأنهم قبلوا هذا القول، والأمر في قولهم: {حَرِّقُوهُ} مستعمل في المشاورة.
وبمناسبة الحرق كم تذكرني هذه الآية بقول أولئك الموالين للظالم والطاغية حينما كانوا يرددون: (الأسد أو نحرق البلد)، وهذا هو الذي دفع الباحث السوري رضوان زيادة، أن ينشر كتابه: "تدمير سوريا.. كيف نجحت استراتيجية "الأسد أو نحرق البلد"؟
فالحرق وسيلة من وسائل الطغاة في محاربة أهل الحق؛ بقصد استئصالهم، وهذا ما حدث مع أصحاب الأخدود، وحدث مع ماشطة بنت فرعون وأبنائها، وحدث في العصر الحديث، وما سجن صيدنايا عنكم ببعيد.
ومن هداية الآية الكريمة أن المبطل إذا أفحم بالحجة القاهرة لجأ إلى ما عنده من القوة؛ ليستعملها ضد أهل الحق، وهذه عادة الطغاة والمستبدين في كل وقت وعصر، يستشير بعضهم بعضاً، ثم ينبعث أشقاهم بالفكرة المهلكة وينفذها، كما خرج الشقي الزنيم بفكرة (البراميل المتفجرة) في الثورة السورية.
وما أجمل قول الشاعر الكبير عامر زردة حين قال:
حَـرَقـوا الشَّـآمَ ولم يُقَلْ أحدٌ كَفَى
فـاجـعـلـهـمُ يـاربِ قـاعَـاً صَـفْصَفَا
والطفْ بأهـلْ الشَّامِ حتَّى يَرجِعُوا
لديــارِهِـمْ فـقـلوبـُهُـمْ تـَبْغِي الشِّفَا
ثانياً: نصر أعداء الأمة، إذ إن عادة أهل النفاق والشقاق معاونة أعداء الأمة ونصرتهم وتألبهم على المسلمين، قال الله تعالى عنهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الحشر:11].
أي يقول المنافقون: وإن قاتلكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه لننصرنكم معشر بني النضير عليهم، وهم سبب كل ما أصاب الأمة في ماضيها، وحاضرها، وقد حصر الله تعالى العداوة فيهم؛ لأنهم في وسط المسلمين ويعرفون مواطن القوة والضعف، ويعرفون من أين يؤتى المسلمون؛ ثم يخبرون الأعداء بها، وخاصة إذا كانوا أهل قوة وسلطان، لذا قال الباري سبحانه: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} [المنافقون:4]، احذر أن تثق بقولهم أو تميل إلى كلامهم، لكونهم أعدى الأعداء، ولا تغترن بظواهرهم.
إذاً هناك أنواع للنصر، منه النصر الاستحقاقي، كانتصار الصحابة الكرام يوم بدر الكبرى، وهناك نصر تفضُّلي، كانتصار الروم على الفرس، قال تعالى: {الۤمۤ. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم:1-5] وقد فرح الصحابة والمؤمنون بهذا النصر التفضُّلي، وهناك نصر مبدئي وهو أن يموت الإنسان موحداً لله تعالى ومؤدياً لعباداته، وهناك نصر كوني، إذ من سنن الكون أن الأقوى ينتصر، وصاحب السلاح الأكثر دقة وقوة ينتصر، ولذلك أمرنا الله تعالى بإعداد العدة فقال: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:60] أي: كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأْي والسياسة.
قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:10].
وإذا علمنا أن النصر هو من عند الله تعالى، فلا بد من أن ننصر دين الله سبحانه كي ينصرنا، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [سورة محمد:7]، ومعنى نصرهم الله: نصرُ دينه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن الله سبحانه غني عن النصر في تنفيذ إرادته.
النصر المحمود، النصر المذموم، النصر، وَانْصُرُوا ، النصر الاستحقاقي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع