مدوّنة الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب القباطي


أحكام العيد وسُننه في ظلّ تفشّي وباء كورونا (1)

الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب | Associate Professor Dr. Muneer Ali Abdul Rab


23/05/2020 القراءات: 2936  


الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أمّا بعد؛ فإنّ الأعياد من أعظم شعائر الإسلام، وهي مواسم فرح وسرور، وقد شرع الله -تعالى- لعباده عِيدَي الفِطْرِ والأضْحَى، وكلّ منهما مرتبط بركن من أركان الإسلام؛ فعيد الفطر مرتبط بالصّيام، وعيد الأضحى مرتبط بالحجّ. ولهما سنن وأحكام، نذكرها بإيجاز.
 حكم صلاة العيد: صلاة العيد سنّة مؤكّدة عند المالكيّة والشّافعيّة، وواجبة على الأعيان عند الحنفيّة، وفرض كفاية عند الحنابلة. ينبغي المحافظة عليها على الثّلاثة الأقوال؛ لأنّها من أعظم شعائر الإسلام، ومن أعلامه الظّاهرة، ولم يكن يتخلّف عنها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ولا صحابته -رضوان الله عليهم-؛ لذلك أوجبها بعض الفقهاء، واستدلّوا بحديث أمّ عطيّة، أنّها قالت: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى: الْعَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ، وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، ... الحديث» رواه مسلم.

 وقتها: وقت صلاة العيد حين ارتفاع الشّمس قيد رُمح، وقدّره بعض الفقهاء بعشرين إلى ثلاثين دقيقة بعد طلوع الشّمس، ويمتدّ إلى الزّوال، أي إلى قبيل أذان الظّهر بنصف ساعة؛ لكراهة الصّلاة حين يقوم قائم الظّهيرة، لما ثبت في صحيح مسلم عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ، يَقُولُ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: «حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ».

 مكان إقامتها وكيفيّتها: يستحبّ الخروج لصلاة العيد إلى المصلّى في الصّحراء عند جمهور الفقهاء؛ لفعل النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وخلفائه الرّاشدين، وقد دلّت الأحاديث الصّحيحة في البخاري ومسلم على ذلك. إلّا إذا كان هناك عذر، فيجوز أن تصلّى في المساجد.

 وفي ظلّ تفشّي وباء كورونا في كثير من البلدان: تُصلّى في البيوت؛ فقد ذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى صحّة صلاة العيدين للرّجل في بيته منفردًا أو جماعة إن فاتته الصّلاة مع الإمام؛ لحديث أبي هريرة، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» حديث صحيح، رواه النّسائي. واستدلّوا بما روي عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ فِي مَنْزِلِهِ بِالزَّاوِيَةِ، فَإِذَا لَمْ يَشْهَدِ الْعِيدَ بِالْبَصْرَةِ جَمَعَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَمَوَالِيَهُ، ثُمَّ يَأْمُرُ مَوْلَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عُتْبَةَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ» رواه ابن أبي شيبة. لذا فإن تعذّر إقامة صلاة العيد في المصلّى أو المسجد لقيام العذر المانع، فيجوز أن يصلّيها الرّجل جماعة بأهل بيته؛ حفظًا للنّفوس من أضرار الوباء، وتصلّى بدون أذان وإقامة، وبدون خُطبة. يصلّيها ركعتين؛ يكبّر في الأولى منهما سبع تكبيرات دون تكبيرة الإحرام، وفي الثّانية خمس تكبيرات دون تكبيرة القيام؛ للحديث الصّحيح عند ابن ماجة وغيره، أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- «كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ سَبْعًا فِي الْأُولَى، وَخَمْسًا فِي الْآخِرَةِ». ولم يحفظ عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ذكر معيّن بين تكبيرات العيد، ولكن جاء الذّكر بين التّكبيرات عن بعض السّلف، كابن مسعود؛ قال ابن تيميّة: أمّا التّكبيرات فإنّه يحمد الله بينها، ويثني عليه، ويصلّي على النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ويدعو بما شاء. وإن قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، واللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، اللّهمّ اغفر لي وارحمني كان حسنًا. ويقرأ جهرًا بالفاتحة والأعلى في الرّكعة الأولى، وبالفاتحة والغاشية في الرّكعة الثّانية، أو بـــالفاتحة و ق~ في الأولى، والفاتحة والقمر في الثّانية، كما ثبت في صحيح مسلم.


العيد، أحكام، سنن، كورونا


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع