مدونة صلاح عبدالسلام قاسم الهيجمي
التماسك المعنوي في سورة الطارق
صلاح الهيجمي | Salah Abdulsalam Qassim Alhaigami
09/07/2020 القراءات: 3209
الأستاذ: صلاح عبدالسلام قاسم الهيجمي
كما هو معلوم بأن النص المتماسك تماسكًا معنويًا هو ذلك النص الذي يبرز الفكرة الأساسية، وتكون المعلومات داخل النص منتظمة، ويحمل عددًا من العلاقات التنظيمية بما فيها الاتحاد، والسببية، والاستجابة، والتقابل، والوصف، والإضافة، والتبعية، والاتصال، وغيرها، وتكون خطط الكتابة فيه واضحة أيضًا، وتبنى على تقارير ووسائل وعلاقات صريحة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف نعرف التماسك المعنوي في نص سورة الطارق؟
مادام أن نص سورة الطارق مترابط ترابطًا لفظيًا (الهيجمي، والهندي، 2019) فإن سياق النص يجيب عن ذلك التساؤل بوساطة مصدري التماسك الدلالي (الداخلي) القائم على العلاقات الدلالية في النص، والتماسك البراجماتي القائم على تماسك النص مع السياق.
ففي التماسك الدلالي الداخلي نلاحظ أن النص اتكأ على فكرة رئيسية واحدة هي فكرة (الإيمان بالبعث)، وجل الآيات والمقاطع في السورة خدمت هذه الفكرة خدمة جليلة، الأمر الذي أكسب النص تماسكًا معنويًا، وليس هذا فحسب، بل أضاف التماسك المعنوي قواعد أخرى أهمها ما يلي:
- الربط الدلالي والتماسك المعنوي بين اسم السورة والآية الأولى منها؛ إذ سميت السورة باسم (الطارق) والآية الأولى من النص هي:﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴾.
- إثارة المتلقي في العبارة الاستهلالية المتمثلة بالقسم العظيم بالسماء والطارق، الأمر الذي جعل المتلقي في حالة تأهب ورغبة؛ لكي يعرف ما سيصل إليه الخطاب، ولماذا أقسم سبحانه هذا القسم العظيم. كما أثاره القسم الآخر في منتصف النص بالسماء والأرض معًا، واهتدى بعد ذلك بمعرفة جواب القسم الذي ورد القسم مرتين في النص للتعظيم في بداية النص، وأكد عظمة خلق الإنسان، وفي منتصفه أكد عظمة القرآن الكريم.
- ثم تتابع الجمل جاء في تناسق عجيب بوساطة العلاقات الدلالية التي تتضمن الإضافة بأدوات العطف، والسببية "التبعية" بعدّها وسائل في النص القرآني تعمل على إثبات اتصاله المعنوي.
- ويظهر التماسك المعنوي بإدماج المحسوسات بالمعنويات، مثل: السماء، والأرض، والتفكر في نشأة الإنسان الأولى عندما أمره سبحانه بقوله:﴿ َفلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾، والقرآن الكريم يحمل فكرًا معنويًا وقراءته تعبدية، والإيمان به إيمان بالكتب السماوية، التي جعل الرسول – صلى الله عليه وسلم – الإيمان بها أحد أركان الإيمان الستة؛ كما جاء في حديث عمر – رضي الله عنه – عند الإمام مسلم: "قال فأخبرني عن الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره".
- التراكم المعلوماتي للنص وكثرة أدوات الربط اللفظي، أدى كل ذلك إلى التماسك المعنوي، وخدمة البنية العليا للنص المتمثلة بالإيمان بالبعث، وأن حياة أي كائن حي مهما طالت فلابد لها من نهاية، هي الموت، وبعدها تبعث من جديد بمشيئة الخالق.
- لعلاقة السؤال والجواب في النص دور كبير في التماسك المعنوي، وجاءت هذه العلاقة في موضعين: في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾، وفي قوله تعالى: ﴿ َفلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾.
- كما أن علاقة السبب والنتيجة هيأت المتلقي إلى موضوع البعث والنشور وجعلته في حالة استعداد دائمة، وبهذه العلاقات الداخلية المتوافرة في النص نستنتج أنه متماسك تماسكًا معنويًا.
أما التماسك البراجماتي فيتضح من تماسك النص مع سياق الموقف أو المقام؛ حيث بين النص قدرة الله جل وعلا على إمكان البعث، وأن الذي خلق الإنسان من العدم في أول نشأته قادر على إعادته وبعثه بعد موته؛ ولتوضيح هذا التوجيه النصي والترابط السياقي المعنوي نلاحظ أن سياق الخلق والبعث في السورة مرتبط ارتباطًا وثيقًا في جل أجزاء النص؛ إذ يبدأ بالقسم بمخلوقين من مخلوقات الله العظيمة هما (السماء والطارق)، ثم يبين سبحانه وتعالى بعدهما خلقًا آخر، هو خلق الإنسان من نقطة ماء وعبر عنها القرآن الكريم (نطفة)، ثم تعرض السورة خلق الزرع من ماء المطر، والأرض تتصدع ويخرج منها الزرع بعد أن نزل عليها المطر؛ فكأن نقطة ماء الرجل تدخل رحم المرأة، ويتشكل جنينًا في هذا الرحم بإذنه تعالى، ثم إذا اكتمل نموه يخرج المولود إلى الأرض في أحلى صورة، وكذلك المطر ينزل إلى رحم الأرض، وبإذنه تعالى يخرج الزرع المختلف ألوانه وأشكاله.
وفي هذا الإطار نجد أن سياق الموقف أدى إلى تماسك معنوي عجيب للنص، وخاصة في مقاطعه المترابطة التي بينت موقف عظمة خلق الإنسان والكون، وعظمة الخالق الذي جعل طريقة الخلق واحدة، ولو كان هناك آلهة متعددة لتعددت طرق الخلق، وجاء هذا النص ليؤكدها، ويوضح أنه معجزة وحق وما هو بالهزل ردًا على من شكك به من كفار مكة وغيرهم، وعمل على النيل منه. فتبارك الله أحسن الخالقين.
التماسك المعنوي، سورة الطارق.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع