مدونة د. عماد ملكاوي


إنها تجارة لكن بدون خسارة

عماد ملكاوي | Imad Malkawi


22/03/2024 القراءات: 603  


بحكم تخصصي في المجال المالي والاقتصادي تستهويني دائماً الأنشطة ذات الفائدة العالية والعائد المرتفع. فهي في نظري مشاريع واعدة وفرص لا يجوز تفويتها. لفتَ نظري مشروعٌ عجيب يعرضه واحدٌ بمنتهى السخاء والكرم . هو لا يكتفي بتقديم الفكرة بل يَتَكفَّل بتقديم كل متطلبات الاستثمار من أصول ثابتة وأصولٍ متداولة وأصولٍ اعتبارية. ثم يذهب إلى أبعد من ذلك فيلتزم بشراء كل المنتجات بأسعار عالية فيكون الربحُ مضموناً والنجاحُ مؤكداً. ثم يفاجئك بأن الأرباحَ كلَّها لك والمشروع كلَّه لك ولإبنائك. وهكذا فقد وجدتُ المشروع وما يثيره من استغراب وإعجاب جديراً بالاهتمام والدراسة للتأكد من حقيقته وجدواه الاقتصادية. تعال معي أولاً نتعرف على الواحد الذي يعرض المشروع: إنه الله الواحد سبحانه وتعالى يعرض علينا المشروع الإيماني بإلحاحٍ وحب، يخاطبنا بالألفاظ التي نستخدمها في التجارة فيقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)الصف. أولاً أريدك أن تلاحظ كلمة تجارة والاستفهام المثير قبلها : هل أدلكم على تجارة؟ والجواب الطبيعي : نعم! ثم يسرد لك مشروعاً إيمانياً متكاملاً يتلخص في الإيمان بالله . والإيمان بالرسولِ عليه الصلاة والسلام واتِّباع منهجة، وحماية هذا الدين بالمال والنفس. ثم يبين لك نتائج وثمار هذا المشروع من مغفرة واستحقاق للجنة، ويا لها من نتيجة تفوق كل الأرباح والفوائد. لاحظ أن متطلبات تنفيذ المشروع هي: - الأصول الثابتة: القدرة في الجسم والبدن وهي منحة من الله الخالق الباريء. - الأصول المتداولة: إنفاق وبذل المال وهي منحة من الله الرزاق الكريم. - الأصول الاعتبارية : من إرشاد وهداية وتوفيق وكلها منحة من الله تعالى. - الانتاج: من صلاة ٍ وصيامٍ وصدقةٍ وجهاد وأعمال صالحة يرفعها الله إليه. - الثمن والأجر: أضعاف مضاعفة من الثواب والمغفرة والبركة في الدنيا وجنة الخلد في الآخرة. - ملكية المشروع: ملكية كاملة لك تنتفع بها أنت وينتفع بها أبناؤك من بعدك. واللافتُ للنظر أن الله تعالى يكرر عرض المشروع بأساليب مختلفة ويستخدم نفس المصطلحات التي نستخدمها في التجارة فيقول: - إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ.(111) التوبة. - فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ (111) التوبة. - إنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ .فاطر: 29] مخاطر المشروع: دراسة الجدوى الجيدة لا بد أن تحدد مخاطر المشروع وكيفية التخلص منها أو تقليلها. وقد وجدت في مشروع التجارة مع الله ثلاثة أنواع من المخاطر التجارية: 1. النوع الأول: مخاطر التعب وبذل الجهد وإنفاق المال وهذه المخاطر تكفل الله تعالى بتعويضك عنها: - وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. سبأ(39) - ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَطَـُٔونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّۢ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٌ صَٰلِحٌ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ التوبة (120). 2. النوع الثاني: مخاطر الغرور ونسبة الفضل إلى غير الله والبحث عن السمعة والرياء. وهذه المخاطر قد تفسد المشروع وتؤدي إلى بطلانه، لذلك يجب إرجاع الفضل إلى صاحب الفضل ودوام الاستعانة به. - يا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) الانفطار. - إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا. (142) النساء. - يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا. [النحل:83] 3. النوع الثالث: مخاطر الوقت وهذه من أشد المخاطر التي يجب الحذر منها حيث أن الوقت المتاح للمشروع قصير نسبياً وقد ينتهي بالموت في أي وقت. فعندما يعجبك المشروع وتقتنع بضرورته وأهميته ثم تلجأ إلى التسويف والتأجيل فقد وقعت في مخاطر الوقت. عليك أن تتذكر أن علاقتنا بالوقت علاقة عكسية لذلك تجده يتناقص ويمر بسرعة كبيرة. ومسؤولية الحد من مخاطر الوقت تقع عليك أنت: - والعصر إن الإنسان لفي خسر.(1) العصر. - قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أما الذين يرفضون التجارة مع الله ويختارون غير طريق الهدى فإن الله يقول عن تجارتهم: - أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ( 16) البقرة ولا بد عند الانتهاء من دراسة الجدوى لأي مشروع أن يقدم الدارس النتيجة النهائية والتوصية الفنية بخصوص تنفيذ أو عدم تنفيذ المشروع. التوصية: بعد دراسة وتحليل الجوانب الفنية والإدارية والمالية والتسويقية وتحليل المخاطر فقد تبين أن مشروع التجارة مع الله تعالى واقعي ومنسجم مع البيئة المحلية والخارجية وقابل للتنفيذ ويتمتع بجدوى اقتصادية عالية. ولذلك فإننا نوصي بتنفيذ المشروع.


مشروع، تجارة، تجارة مع الله،


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع