مدونة د. محمد سلامة الغنيمي


من التلقين إلى التفكير: تربية العقل استثمار في المستقبل

د. محمد سلامة غنيم | Dr. Mohammed Salama Ghonaim


23/01/2025 القراءات: 8  




إنّ وتيرة التغيير المتسارعة التي نشهدها في هذا العصر المذهل، قد جعلت من تنمية مهارات التفكير ضرورة حتمية وقضية مصيرية تتعلق ببقاء الإنسان وقدرته على مواجهة التحديات. فلم تعد الأنماط التقليدية في التفكير، التي نشأت في ظل ظروف مختلفة، قادرة على التصدي للمتغيرات المتلاحقة التي يفرضها العصر. وكلما زادت الفجوة بين سرعة التغيير وقدرة الإنسان على الاستجابة له، تفاقمت حالة الصراع الداخلي واشتد الإحساس بالاغتراب بين الأجيال.

وفي ظل هذا الواقع، إذا أردنا للإنسان أن يتأقلم مع ديناميكية التغيير المستمرة، بل وأن يوظفها لخدمة أهدافه العليا في إعمار الأرض وإصلاحها، فإنّ المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المؤسسات التربوية. فلا بد لهذه المؤسسات أن تتحرر من أساليب التلقين التقليدية التي تقتل روح الابتكار والإبداع، وأن تعيد صياغة برامجها التعليمية بحيث تُحفّز ملكات التفكير النقدي والتحليل والإبداع.

ولا يمكن إغفال العمق الديني الذي يعزز أهمية هذه القضية، فالعقل في الإسلام له مكانة عظيمة، وتردد ذكره ومشتقاته في القرآن الكريم أكثر من خمسمائة مرة، في سياقات تدعو إلى التعقل، والتدبر، وإعمال الفكر. وهذا تأكيد واضح على أن تنمية العقل ليس مجرد مطلب دنيوي، بل هو رسالة إنسانية ودينية تهدف إلى تحقيق التوازن بين الإنسان وواقعه، بما يمكنه من أداء دوره الإيجابي في تحقيق التنمية الشاملة.

ومن هذا المنطلق، فإن تربية العقول لا تنحصر في اكتساب المعرفة، بل تمتد إلى تعزيز مهارات التفكير المنهجي، وتنمية الوعي بأهمية التغيير كفرصة للابتكار والإبداع، وليس مجرد تحدٍ يخشى الإنسان مواجهته. إن تعليم التفكير يجب أن يكون في صلب كل منظومة تربوية تهدف إلى إعداد الإنسان للمستقبل، حيث يندمج فيها التعليم بالقيم، ويتحول التغيير إلى أداة للإصلاح والنهضة.


تربية، فكر، نهضة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع