مدونة د. محمد فضل أحمد عيسى


الحنين إلى الموت..........

د. محمد فضل أحمد عيسى | DR .Mohamed FADL Ahmed Isaa


21/12/2024 القراءات: 65  


إنّ البحث عن الموت شعور ناتج من بغض الحياة وعدم الرضا بها، فكل من سكب الأسى ماء على حيواتهم ومحا طلاوتها؛ فباتت باهته ينشدون الموت، ولقد استوقفني تاريخ حافل لدى شعرائنا؛ فالموت عندهم أن تصبح الحياة فارغة المعنى تسير في اتجاه أحادي معاكس؛ فحب الموت يولد من رحم المآسي، فهذا محمود حسن إسماعيل ينشد قائلا: راحة الموت وشطآن القبور مـــــــرقــــد نـبحــثُ دومــا عـــــــن لــقاه.
لقد رأى الموت راحة، وهل للقبور شطآن؟! إنه تعبير من شاعر يابس الكف من عناء وبرح شقق الكد بالضنى أنملاته، صاحب الروح المتعبة يوحي بأنه غريق يستعذب الموت ويفرح بقدومه كفرح طفل بذهابه للشاطئ لهوا ولعبا. ويسير على غراره الهمشري قائلا: قُم أَيا عازِفَ المَنونِ وَغَنِّ وَاِبعَثِ النَغمَ فَوقَ صَمتِ الوادي.
ولربما كان التغني بالموت والحنين إليه صدى لخلجات فؤاد منهك، بسبب تطلعاتنا إلى عالم مثالي -يصعب تطبيقه في حياتنا - يسمو فوق الآثام والبغضاء، ولافتراق تفصيلات الواقع المعيش عما نسجته قلوبنا لا عقولنا؛ فأصبح الموت روحا تهفو إليه النفس وبعثا لحياة جديدة بعدا عن التقاطبات والثنائيات الضدية في معترك الحياة وتأكيدا لهذه المضامين نجد أحمد زكي أبو شادي يترنم قائلا:
والآن قد مضتْ السنونَ وأثقلتْ عبئي وناءَ به فؤادي الباكي
وكرر الشابي قوله: إلى المَوْتِ يا ابنَ الحَيَاةِ التعيسَ ففي الموتِ صَوْتُ الحَيَاةِ الرخيمْ
إلى المَــوْتِ إن عَـذَّبَتْكَ الدُّهــورُ ففي الموتِ قَلْبُ الدُّهورِ الرَّحيــمْ
إلى المَوْتِ فالموتُ رُوحٌ جـميلٌ يُرَفْــرِفُ مِـنْ فوقِ تِلْكَ الغُـيومْ
فبكل هذا نجد رمزا للخروج من حدود الذات المفعمة بالألم، والبعد عن مشاهد لا تستريح إليها النفس ذات المروءة إلى رحاب جوار الله، اطمئنانا تحت ظل عدالة قدسية الأحكام والميزان.
وختاما: إنّ الموت تحار فيه العقول هو الحرمان من أهل وصحب هو الإنسان في سفر طويل، نجيء إلى الحياة نغيب عنها وما يبقى سوى العمل الجليل. بهذا حدثني أرواح أدبائنا وأعمال تعجلت الرحيل، وبهذا كان حديث الموت أدمع الكون، ويفنى الجميع كحلم بعيد تألق في مهجة واندثر، وسبحان الله العظيم :" كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام" صدق الله العظيم



الدلائل- الحياة - تقاطبات - ضدية - فلسفة - الواقع المعيش - الأدب العربي - العقول - أرواح متعبة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع