مدونة عبدالحكيم الأنيس


رؤوس أقلام (منوعات في العلم والأدب) (221)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


31/10/2024 القراءات: 159  


-عبير التشطير:
يعجبني مشاركة الآخرين في لحظاتهم الجميلة، ومن ذلك تشطيري بيتين قالهما الأديب الكبير أبو منصور الثعالبي (ت: 429)، وقد نسبَهما إلى نفسه في كتابه «أحسن ما سمعتُ» (ص: 12)، قلتُ:
(‌إليكَ ‌المُشتكى ‌لا ‌منكَ ‌ربي) … وأنتَ الرَّوحُ في نفسي وقلبي
أأخشى النائباتِ وكيف أخشى؟ ... (وأنتَ لنائبات الدهر حسبي)
(تروّي غُـلتي وترُمُّ حالي) … وتسمعُ دعوتي وتنيرُ دربي
وتمنحُ حاجتي وتديمُ أُنسي ... (وتؤمنُ روعتي وتزيلُ كربي)
دبي: الخميس (28 من ربيع الآخر سنة 1446 = 31/ 10/ 2024).
***
-القرآن على لغة العرب:
قال الإمام القرافي (ت: 684) في كتابه "الاستغناء في الاستثناء" (ص: ٤٤٧):
"...لأنَّ شأن القرآن أن يكون عربيًّا على منوال العرب لا على مِنوال الربوبية؛ بل كلُّ ما كان حسَنًا في كلامِ العرب كان كذلك في كلام الله تعالى، وما كان ممتنِعًا كان ممتنِعًا؛ لأنَّ الله تعالى أخبر أنه إنما أنزل القرآن على لغةِ العرب لا على غيرها..
فتأمَّلْ هذه القاعدةَ فإنها يَتخرَّج عليها أحكامٌ كثيرةٌ وأسئلة صعبة في كلام الله تعالى".
***
-جواب على سؤال في منهج التدرج الحديثي:
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الأخ الكريم المُحِبّ طارق عبدالرحيم أبو سيف، وإخوته الكرام، سلَّمهم المولى ورَعاهم، وعلَّمَهم ونفع بهم وتولَّاهم.
من عبدالفتاح بن محمد أبو غُدَّة ، راجي دعواتهم.
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
أما بعد: فقد تسلَّمتُ رسالتكم الكريمة، وسُرِرتُ بما أخبرتُموني به من اجتماعكم على قراءة «المنظومة البيقونية» وشرحِها لشيخِنا العلامة المحدث الفقيه الشيخ حسن مَشَّاط المالكي المكي رحمه الله تعالى، وأجزل له عني الأجرَ والثواب، ثم شُروعِكم بقراءة «مقدمة الإمام ابن الصلاح» فإنها مباركةٌ مُعَلِّمة للمصطلح والأدب مع العلماء والصلحاء، وما تزال خيرَ الكتب في المصطلح، مع ما أُلف بعدها، فلها مَزايا منها: أن مؤلفَها إمام محدث فقيه مُتَفنِّن في جملةٍ من العلم، و(مُرَبّ) ومحقِّق مدقِّق فصيح بليغ رحمه الله تعالى.
وذكرتُم أنكم تستشيرونني في كتابٍ أو كُتب تقرؤنها بعدَه في هذا العلم، فالذي أراه وأنصَح به هو: أن تُكرِّروا قراءةَ «مقدمة ابن الصلاح» مرةً ثانية، فإنكم ستجدونها شيئًا جديدًا غيرَ ما مَرَرتُم به في القراءة الأولى، والتمَكُّنُ من العلم أولى من التوسُّع فيه، إذ التمكُّن يُعِين على الضبط الصحيح فيه، وعلى التحقيق والتحقُّق من صحة ما قُرئ في المرة الأولى، وسيتبيَّن لكم ذلك إذا فعلتم هذا، إن شاء الله تعالى.
والعلماء الذين تَرَونهم متَمَكِّنين من عِلْمهم في المصطلح – مثلًا - كالحافظ ابن الصلاح والحافظ العراقي وابن حجر والسيوطي والسخاوي وأمثالهم: قد مرُّوا بكل كتاب من أمهات العلم في فنِّه مراتٍ كثيرة، يُعِيدون قراءتَه على كل شيخ، فيَقْوَى فيهم ما فَهِموه على الصحة، ويصحِّح فيهم ما فَهِموه على الخطأ، ويتذكَّرون وينتبهون إلى ما غَفَلوا عنه في السابق، ويُدركون مِن ذاك العلم ما لم يُدركوه من قبل، فأقترحُ عليكم إعادةَ قراءتها، ولا تظنُّوا أنكم ممن يكتفي بقراءة الكتاب أو العلم مرةً واحدة، فيَنطَبع فيه صحيحًا قويمًا مستقيمًا، فأولئك قد خَلَتْ منهم الديارُ، إلا نادرًا بين الحِين والحِين.
فأقَلُّ ما تَمُرُّون بـ«مقدمة ابن الصلاح» ثلاثُ مرات، ويمكن أن تُطالعوا معها حاشية العراقي عليها «التقييد والإيضاح» في الثانية، و«النكت على كتاب ابن الصلاح» للحافظ ابن حجر في الثالثة، إذا صِرْتم من أهل الصبر على تحصيل العلم (فاستَعِن بالله ولا تَعجِز).
وأقترحُ عليكم قراءة كتاب «جامع بيان العلم وفضله» لابن عبدالبَرّ مُجتَمِعين على قراءته، فإنه يَحوِي العلم والأدب والتأديب، بأيسر أسلوب، والكتاب جديرٌ بالنشر على غيرِ ما هو عليه، حتى يزداد حَلاوةً وطَلاوةً ونفعًا. ومما يناسب التَّطْرِية في علم المصطلح أن تقرؤوا مُجتَمِعين كتاب «أدب الإملاء والاستملاء» للحافظ السَّمْعاني، فإنه رَشِيق رَقِيق ولطيف مُنيف، واسمُه لا يدلّ عليه.
ومن هذا الباب في تَطْرِية المصطلح والتوسُّع فيه: قراءةُ كتاب «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» للحافظ الخطيب البغدادي من طبعة الشيخ محمود طَحَّان، ففيه حلاوة وطراوة وأخلاق وآداب نفيسة، وكذلك كتاب «تذكرة السامع والمتكلم بآداب العالم والمتعلِّم» لابن جَمَاعة، ففيه نفعٌ وإفادة أيضًا.
وختامًا: أرجو منكم الدعاءَ لي بقوة السَّمع والبصر والجِسم والعَزْم لخدمة العلم، والله ينفعُ بكم ويرعاكم، والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
الرياض 12/ 7/ 1412 أخوكم عبدالفتاح أبو غدة
تتمةٌ في الموضوع السابق ذكرُه: من الكتب المفيدة في نظري الضعيف قراءةُ كتاب (قواعد في علوم الحديث) لشيخنا ظَفَر أحمد التهانوي رحمه الله تعالى، فإنه ذو ثقافة اصطلاحية متنوِّعة ومُنتقاة، وهو ذو أفنان ينشَط القارئ فيه لرَشَاقة عَرْضِه ووضوح أسلوبه وضبطه. وبعد الفراغ منه يمكن أن يُختار كتاب «الرفع والتكميل في الجرح والتعديل» للإمام عبدالحي اللكنوي، ويفضَّل أن يقرأ قبل قراءته كتاب «الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة» للإمام اللكنوي أيضًا، فإنه منوَّع الأبحاث، تنتقل فيه النفسُ من لَون إلى لَون، فتكون أنشطَ وأقوى.
ومما أوصيكم به مؤكِّدًا: أن تطالعوا البحثَ المقروءَ في الجلسة قبلَ الحضور إليها، ليكون أثبتَ فهمًا وأبقى حفظًا وأمضى قراءةً وسُرعة ونشاطًا، واجعلوا بقُربكم بعضَ كتب اللغة لمُراجَعَتها في ما قد تَشتَبهون في ضبطه أو فهمِ معناه على الدِّقَّة، كالقاموس المحيط، والمصباح المنير، ومختار الصحاح، والمعجم الوسيط، فإن التمكن من معرفة اللغة مهمّ جدًّا لطالب الحديث الشريف وطالبِ العلم عامة، فاهتموا بذلك، وفقكم الله تعالى.
***


منوعات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع