مدونة أ.د طارق الصادق عبد السلام الصادق


مفهوم المجتمع المسلم المجتمع المثال وخصائصه

أ.د طارق الصادق عبد السلام الصادق | prof-tarig elsadig abd alsalam


10/10/2020 القراءات: 6559  



​المجتمع الإسلامي أو المجتمع المسلم هو الذي تتمثل فيه كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله كقاعدة أساس بكل مقتضياتها، إذ أنه من غير تمثل هذه القاعدة ومقتضياتها فيه لا يكون مسلماً، وعلى ذلك فإن هذه القاعدة تصبح المرتكز الأساسي لمنهج كامل تقوم عليه حياة الأمة المسلمة بحذافيرها، فلا تقوم هذه الحياة قبل أن تقوم هذه القاعدة، كما أنها لا تكون حياة إسلامية إذا قامت على غير هذه القاعدة، أو قامت على قاعدة أخرى معها أو عدة قواعد أجنبية عنها.
من حيث إن ثقافة هذا المجتمع تكون مرجعتيها إلى تلك القاعدة دون اختلاط بمرجعيات ثقافية أخرى أياً كانت، وهذا لا ينفي عملية الاحتكاك الثقافي ولا الانفتاح والتفاعل الثقافي مع ثقافات أخرى، وأخذا الملائم لهذه المرجعية، وذلك يتمثل في قول الرسول الكريم (ص) (الحكمة ضالة المسلم أنى وجدها فهو أحق بها) ()، ولكن لا يعني هذا أخذ هذه السمات الثقافية وربطها بمرجعيات مخالفة لتلك القاعدة، والتي هي قاعدة العبودية لله وحده في كل الأمور، وهي التي تمثلها وتكيفها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتتمثل هذه العبودية في التصور ألاعتقادي كما تتمثل في الشعائر التعبدية في الشرائع القانونية.
وعموما تسود كل النظم الاجتماعية القائم عليها هذا المجتمع، فليس عبداً لله وحده من لا يعتقد وحدانية الله سبحانه، وتنزيل هذه الوحدانية على حياته الاجتماعية كلها، وقال تعالى ((وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ، وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ)) ().، وقال تعالى ((إن الحكم إلا لله، أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم)) ().، وعليه فالمجتمع المسلم هو الذي تتمثل فيه العبودية لله وحده في معتقدات أفراده وتصوراتهم كما تتمثل في نظامهم الاجتماعي وتشريعاتهم، وأيما جانب تخلف من هذه الجوانب يؤدي إلى تخلف الجوانب الأخرى.
​والتصور ألاعتقادي الإسلامي هو التصور الذي ينشأ في الإدراك البشري من تلقيه لحقائق العقيدة من مصدرها الرباني، والذي يتكيف به الإنسان في إدراكه لحقيقة ربه ولحقيقة الكون الذي يعيش فيه – غيبه وشهوده – ولحقيقة الحياة التي ينتسب إليها – غيبها وشهودها ولحقيقة نفسه – أي لحقيقة الإنسان ذاته، ثم يكيف على أساسه تعامله مع هذه الحقائق جميعاً. وعليه يصبح تعامله مع ربه تعاملاً تتمثل فيه عبوديته لله وحده، وتعامله مع الكون ونواميسه، ومع الأحياء وعواملها ومع أفراد الجنس البشري وتشكيلاته تعاملاً يستمد أصوله من دين الله كما بلغه رسول الله تحقيقاً لعبوديته لله وحده في هذا التعامل وهو بهذه الصورة يشمل نشاط الحياة كلها ().
​والمجتمع المسلم أو المجتمع الإسلامي لا ينشأ حتى تقوم جماعة من الناس تقرر أن عبوديتها الكاملة لله وحده، وأنها لا تدين بالعبودية لغير الله في الاعتقاد والتصور وفي العبادات والشعائر وفي النظام الاجتماعي والشرائع اللاحقة له ثم تأخذ في تنظيم حياتها وفقاً لهذه العبودية الخاصة. (فالمجتمع المسلم ينشأ من انتقال أفراد ومجموعات من الناس من العبودية لغير الله – معه أو من دونه – إلى العبودية لله وحده بلا شريك، ثم تقرير هذه المجموعات أن تقيم نظامها الحياتي والاجتماعي على أساس هذه العبودية، وعندها يتم ميلاد مجتمع جديد مشتق من المجتمع القديم مواجه له بعقيدة جديدة ونظام للحياة جديد، يقوم على أساس هذه العقيدة وتتمثل فيه قاعدة الإسلام الأولى بشطريها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) ().
​ولا يعني بحال تقرير جماعة من الناس أو انتقال هذه الجماعة أن هذا البنيان الجديد أو البناء الاجتماعي لهذا المجتمع قد نشأ عبر تطور حضاري أو ثقافي لهذه الجماعة أو لتغيرات حدثت في نظامها الاجتماعي بصور تلقائية حتمية، وإنما يعني أن هذه الجماعة قد ارتضت – ومن ثم انصاعت – لرسالة السماء عبر الرسول محمد (أو المحبين لهذه القواعد من بعده – من حيث إيمانهم بها ودخولهم في هذا الدين، بمعنى أن المجتمع الإسلامي يستوعب في داخله كل داخل في هذا الدين عاملاً بمقتضياته على مر العصور سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو مجتمعات بأكملها، وهذا ما يشكل الطبيعة الدينامية لهذا المجتمع من حيث استيعاب الجماعات الجديدة واستاتيكية من حيث قواعد الانتماء حيث إن المحدد للدخول في هذا المجتمع هو الانتماء لهذا الدين.
وعليه لا يفهم الأمر على أنه مجتمع تقوم فيه العلاقات والكيانات على أساس من العرق أو اللغة أو أي من أشكال العلاقات الأخرى، ويمكن القول أنه انتماء أيديولوجي قائم على معتقد واحد غير متعدد، وتصبح خصائصه مبنية على قوة الاعتقاد والتصور، وقوة البناء النفسي، وقوة التنظيم والبناء الاجتماعي النابعة من التصور ألاعتقادي الإسلامي، أي أن الواقع البشري في هذا المجتمع يتشكل عبر هذا التصور ألاعتقادي الإسلامي من حيث إن هذا الواقع هو الذي ينشئه هذا الدين نفسه وفق منهجه والذي يكون بالضرورة منطبقاً على الفطرة البشرية في سوائها ومحققاً للحاجات الإنسانية الحقيقية في شمولها، هذه الحاجات التي يقررها الذي خلق والذي يعلم من خلق ((ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير))().
وعلى هذا فالدين الإسلامي يواجه الواقع البشري الموجود ويزنه بميزانه – من حيث القواعد السالف ذكرها – فيقر منها ما يقر ويلغي منها ما يلغي ويعدل منها ما هو في حاجة إلى تعديل وينشئ واقعاً كاملاً متكاملاً قائم على أصوله، أي أن الإسلام – والمجتمع المسلم – في تعامله مع الواقع البشري يتعامل بأسلوب نقدي بنائي معياري، فهو لا يهدم ولا يلغي كل ما هو موجود، كما لا يقبل بكل ما هو موجود على علاته، ولا ينتقي من هذا وذاك، إنما منهجه قائم على هضم هذا الواقع البشري وإنشاءه على منهجه القائم على التصور ألاعتقادي الإسلامي.


المجتمع المسلم المثال


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع