مدونة الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو


كيف تبنى الأوطان؟ - الثاني عشر: الإعلام –

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


24/02/2025 القراءات: 9  


كيف تبنى الأوطان؟ - الثاني عشر: الإعلام –
الإعلام قوة حضارية كبرى، وظاهرة فنية وثقافية أصبح لها في العصر الحديث أثرها البالغ ولا يمكن لدولة متقدمة أو نامية أن تستغني عنه حتى أنهم يلقبون العصر الذي نعيش فيه بعصر الإعلام.
يعتبر الاتصال الإنساني فطرة فطر الله تعالى عليها البشرية منذ نشأتها الأولى، فقد كان التكليف الأول الذي أمر الله تعالى به آدم عليه السلام بعد خلقه هو مهمة البلاغ والتوضيح والإفهام، وذلك في أول اتصال بملائكة الله سبحانه، حيث يقول الله تعالى: {يَا آدَمُ أَنْبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ} [البقرة: 33].
ومضت سيرة الحياة الإنسانية ضمن سلسلة علاقات متعددة تقوم على اتصال الإنسان بالإنسان أفراداً وجماعات وأمماً.
والإعلام بدأ بنقل المعلومة من شخص أو أشخاص إلى آخرين، وذلك عن طريق الكلمة المنطوقة، إلى جانب نقل هذه الكلمة أيضاً عن طريق البصر مباشرة كما هو الحال في الصور أو الرسم، وظلت حاسّتا السمع والبصر (الأذن والعين) هما المداخل الأساسية لإدراك الكلمة، حتى كان التطور السريع الذي صاحب العمليات الاتصالية عامة والإعلام بصفة خاصة، حيث أصبحت هذه الكلمة أو المعلومة تنقل عن طريق الأذن، ولكن بوسيلة جديدة هي (الراديو)، ثم تطورت عن طريق التلفاز أو غيره من الوسائل المرئية الحديثة، بهدف استمالة المتلقّي (السامع أو الرائي) واعتناقه قيمَ صاحب الرسالة واتجاهاته ومبادئه.
ومع تطور الحياة السياسية والاجتماعية تعدَّدت الدول وقامت معظمها على مبادئ وأفكار وقيم مختلفة، وكل دولة تسعى لسيادة مبادئها وانتشار أفكارها وإخضاع الآخرين لما يرونه، فكان هذا الصراع العالمي، وظهر الإعلام سلاحاً خطيراً في هذا الميدان، وما نشاهده اليوم من هذا الفيض الهائل من البرامج المسموعة والمقروءة والمرئية والتي تحملها أجهزة متطورة يوماً بعد يوم لدليلٌ واضح على خطورة الإعلام وأهميته بالنسبة لأي جماعة أو دولة تتطلّع للسيادة والانتشار.
إن الإعلام الإسلامي واجب على كل مسلم ومسلمة، والرسول صلى الله عليه وسلم يحث المؤمنين على أن يكونوا هداة مرشدين، ودعاة صابرين، ساعين للخير والحق في كل زمان ومكان، بل إن الله سبحانه وتعالى جعله واجبنا بنص آيات القرآن الكريم حين قال: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].
ومما لا شك فيه أن القرآن الكريم هو الوسيلة العظمى والطريقة المثلى للدعوة الإسلامية، فقد نزلت آياته حسب المواقف والحوادث التي مرت بالرسول عليه الصلاة والسلام، وكانت بعض آيات الكتاب تنبئ الرسول بما يحدث له ولأصحابه في المستقبل كما كانت بعض آياته تعلم الرسول بأخبار المشركين والمنافقين وما كان يدبره هؤلاء من المؤامرات.
وإذا أمعنا النظر قليلاً في المهمة التي كلف الله تعالى بها رسوله، صلى الله عليه وسلم، سنجد أن الجانب الإعلامي احتل جزءا منها، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمارس وظيفة رجل الإعلام بكل ما تحمل هذه العبارة من معنى، فهو مرسل ومبلغ عن ربه لرسالة مقدسة تتضمن الأفكار والحقائق والمفاهيم بهدف إشراك الجماهير عن طريق التأثير فيهم وإقناعهم بمحتوياتها ومضمونها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا. وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} [الأحزاب: 45-46].
من أهمِّ الأسباب التي حالت دون تقدّم المجتمعات الإسلامية في مجال الإعلام، تركيز علماء المسلمين وطلاب العلم وجامعاتهم على العناية بالعلوم الشرعية والأصول الإسلامية ودراسة اللغة العربية وإهمال الإعلام، وما يبثه الإعلام يومياً من مبادئ معادية للإسلام سواء في المضمون أو الشكل أو الإخراج، جعل بعض طلبة العلم يعتبر أن ما تقدِّمه وسائل الإعلام في حكم المحرّم شرعاً، مما أتاح سيادة البرامج الغربية المنحرفة.
وعندما أدرك المسلمون خطورة الإعلام، حاولوا تأهيل جيل إعلامي متخصص، عن طريق توجيه هذا الجيل نحو المؤسسات الإعلامية في بلاد الغرب، فعادوا يحملون تقنية الغرب وإنكار مبادئ الإسلام إلا من رحم الله تعالى.
ومن هنا تبرز ضرورة الإعلام الإسلامي الذي يحمل هدي الله تعالى، ليس لمجرد المواجهة وردّ الفعل فقط؛ بل لإعزاز كلمة التوحيد من خلال أجهزة ووسائل يقوم عليها متخصصون مدرّبون مؤمنون برسالة الإسلام، قال الله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122].
ومن أبرز المواقف التي تعبر عن الإعلام ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (بَعَثَنِي رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَا، والزُّبَيْرَ، والمِقْدَادَ، فَقالَ: انْطَلِقُوا حتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ؛ فإنَّ بهَا ظَعِينَةً معهَا كِتَابٌ، فَخُذُوا منها. قالَ: فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بنَا خَيْلُنَا حتَّى أتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بالظَّعِينَةِ، قُلْنَا لَهَا: أخْرِجِي الكِتَابَ، قالَتْ: ما مَعِي كِتَابٌ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ، أوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، قالَ: فأخْرَجَتْهُ مِن عِقَاصِهَا، فأتَيْنَا به رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ: مِن حَاطِبِ بنِ أبِي بَلْتَعَةَ، إلى نَاسٍ بمَكَّةَ مِنَ المُشْرِكِينَ، يُخْبِرُهُمْ ببَعْضِ أمْرِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ) [رواه البخاري].
لذا كان الإعلام عصب مقومات بناء الدولة، لأسباب عديدة من أهمها طبيعة المشروع الرسالي الذي يحمله، وحجم الإثخان في الأمة المسلمة والظلم الواقع عليها من قبل أعدائها يتطلب القيام بالجهاد الإعلامي، لرد كل شبهة ودسيسة، إذ تجاوز دور الصحفي مسألة النشر أو تغطية الفعاليات إلى عمليات أخرى كرصد المشكلات الاجتماعية والسياسية وملاحظة الظواهر والتحولات،


تبنى الأوطان، الإعلام ، الراديو، التلفاز، الإنترنت، الأنباء


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع