مدونة د. عماد ملكاوي


ماذا لو رفع الفدرالي الأمريكي سعر الفائدة؟

عماد ملكاوي | Imad Malkawi


29/07/2022 القراءات: 2144  



تنشغل الأوساط الاقتصادية على مستوى العالم هذه الأيام بقرار بنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي بخصوص سعر الفائدة والتأثير المتوقع على الاقتصاد الأمريكي واقتصادات بقية الدول في ظروفٍ اقتصادية لا يمكن وصفها بالعادية مما يجعل هذا الاهتمام مصحوباً بنوعٍ من التخوف والقلق.
وحتى يفهم القاريء غير المتخصص في الاقتصاد، سر هذا الاهتمام والقلق من عواقب القرار المنتظر، لا بد من التذكير بالبديهيات التالية:
1. سعر الفائدة هو الكلفة التي يدفعها من يستخدم أموال الغير عن طريق الاقتراض. وكلما ارتفع سعر الفائدة ارتفعت كلفة الاقتراض وانخفضت أحجام السيولة في السوق .
2. قيمة الدولار ترتفع برفع سعر الفائدة عليه لانخفاض المعروض منه وترتفع كذلك العملات المرتبطة بالدولار لأن البنوك المركزية التي تصدرها تحذو حذو الفدرالي الأمريكي.
3. أسعار السلع المقومة بالدولار كالنفط والذهب و المعادن الثمينة وغيرها تنخفض بفعل ارتفاع قيمة الدولار وقد يكون هذا الانخفاض ظاهرياً في حال ثبات العوامل الأخرى ومع ذلك يترتب على انخفاضها آثار سلبية .
4. ارتفاع قيمة الدولار يؤدي إلى انخفاض الصادرات الأمريكية بسبب ارتفاع كلفتها ويكون ذلك في صالح الدول المصدرة ذات العملات الأخرى غير الدولار مثل دول الاتحاد الأوربي واليابان والصين وغيرها.
5. العملات الأجنبية الرئيسية مثل اليورو والإسترليني والين وغيرها تنخفض مقابل الدولار وترتفع صادرات دولها كما قلنا وفي المقابل ترتفع أسعار مستورداتها إذا كانت بالدولار.
6. مؤشرات الأسواق المالية و أسعار الأسهم في أمريكا والدول التي تربط عملاتها بالدولار تتجه إلى الانخفاض بسبب المخاوف من انخفاض أرباح الشركات وارتفاع تكاليفها والتخوف من ضعف النمو الاقتصادي .
7. تراجع أحجام السيولة بسبب رفع سعر الفائدة يؤدي إلى تراجع الطلب وانخفاض أرباح الشركات مما يدفعها إلى مراجعة خططها التوسعية وتخفيض أحجام استثماراتها وربما تخفيض نفقاتها مما ينعكس سلباً على النشاط الاقتصادي ونسب النمو.
هذه التفاعلات وغيرها يفترض نظرياً أنها تحصل نتيجةً لرفع سعر الفائدة بشرط ثبات العوامل والمتغيرات الأخرى السياسية والاقتصادية وهي كثيرة ومن الصعب تخيل ثباتها على أرض الواقع. وبالتالي فإن التفاعلات المذكورة يمكن أن تحدث كلها أو بعضها أو تحدث تفاعلات مغايرة لما هو متوقع نتيجةً لتفاعل العوامل التي لم تؤخذ بالحسبان.
والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن القاريء و المتابع: إذا كانت آثار ونتائج رفع سعر الفائدة الأمريكية سلبية في مجملها وبعضها كارثي فلماذا يقدم بنك الاحتياطي الفدرالي على هذه الخطوة؟
وللإجابة على ذلك نقول:إن سعر الفائدة الأمريكية يقارب الصفر منذ بداية جائحة كورونا وكان المقصود من التخفيض وقتها ضخ مزيد من السيولة في السوق كوسيلة للتغلب على تداعيات الأزمة الاقتصادية . وكان هذا الإجراء وغيره من الإجراءات التي اتخذتها البنوك المركزية العالمية تصب كلها في اتجاهٍ واحد وهو ضخ مزيد من السيولة في السوق سواءً عن طريق ما سمي ببرنامج التيسير الكمي ويتمثل أساساً في شراء السندات الحكومية أو عن طريق تخفيض سعر الفائدة أو تخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي وغيرها من أدوات السياسة النقدية المعروفة للمتخصصين.
المهم أن البنوك المركزية تعتبر أن إجراءات ضخ السيولة في الأسواق وعلى رأسها سعر الفائدة المنخفض يجب أن تكون مؤقتة تؤدي دورها ثم تتوقف. ومن وجهة نظر الفدرالي الأمريكي فقد آن الأوان بعد أن أدت السيولة الزائدة إلى التضخم وارتفاع الأسعار لوقف الإجراءات المؤقتة والبدء في الرفع التدريجي لسعر الفائدة فقد تم ضخ كمية هائلة من السيولة وشراء كم ضخم من السندات وظهرت بعض مظاهر التعافي والانتعاش الاقتصادي وانخفاض في معدل البطالة إضافةً إلى بعض الأهداف السياسية التي تتطلب ارتفاع في قيمة الدولار ويمكن الحديث عنها في مقال آخر. المهم أن هذه هي الأسباب التي تدفع بنك الاحتياطي الفدرالي لاتخاذ قراره برفع سعر الفائدة على القروض التي يمنحها للبنوك التجارية. وهو على وعي تام بكل المخاطر و المحاذير التي تحدثنا عنها.
أما عن توقعاتنا للآثار التي سوف تترتب على بدء مسار رفع الفائدة فقد تؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي والدخول في مرحلة ركود.
خلاصة القول أن بقاء سعر الفائدة منخفضاً ما هو إلا نوع من التسكين لأعراض الأزمة. ورفع الفائدة المتوقع هو مغامرة تشبه إلى حدٍ كبير رفع أجهزة الإنعاش عن المريض لعل وعسى أن يعيش بدونها.


اقتصاد، سعر الفائدة، ركود،


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع