مدونة سيف الرحمة فانغابيان


مفهوم الترادف وأسباب وقوعه وفوائده

الدكتور سيف الرحمة فانغابيان | SYAIFUL RAHMAT PANGGABEAN, Ph.D


09/10/2020 القراءات: 19295  


إن الترادف في اللغة التتابع، قيل ترادف الشيء يعني تتابع شيء خلف شيء. وأما في الاصطلاح فهو عبارة عن اتحاد المفهوم وموالاة الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد (الجرجاني، 1983: 241). وقال عبد التواب إن الترادف هو ألفاظ متحدة المعنى وقابلة فيما بينها في أي سياق (التواب، 1999: 309). وبعبارة أخرى أن الترادف لفظ مفرد بالوضع على معنى قد دل عليه بالوضع لفظ آخر مفرد يخالفه في بعض حروفه حيث تنطق به قبائل العرب أي أنه ألفاظ مفردة يشترط استقلالها عند استعمالها في الدلالة.
واللفظ المترادف قد يرادف لفظا من نوعه كمرادفة الاسم للاسم والفعل للفعل والحرف للحرف وقد يرادف لفظ من غير نوعه كمرادفة أسماء الأفعال للأفعال الدالة على معناها، نحو "شتان لبعد". ولا يرادف فعل اسما ولا يرادف فعل حرفا إلا نادر نحو كأنّ لفعل أشبّه وليت لأتمنى.
وبعد تقديم مفهوم الترادف في اللغة العربية، ويجدر بالباحث عرض أسباب وقوعه هي :
1. تعدد أسماء الشيء الواحد في اللهجات المختلفة بعدد من تلك الألفاظ التي تدل على مسمى واحد في اللهجات المختلفة.
2. أن يكون للشيء الواحد في الأصل اسم واحد ثم يوصف بصفات مختلفة
3. التطور اللغوي في اللفظة الواحدة، فقد تطور بعض أصوات الكلمة الواحدة على ألسنة الناس فتنشأ صور أخرى للكلمة وعندئذ يعدها اللغويون العرب مترادفا لمسمي واحد
4. الاستعارة من اللغات الأجنبية التي كانت تجاوز العربية في الجاهلية وصدر الإسلام.
وألقى هدايات في مذكرته أن أسباب وقوع الترادف هي :
1. طول احتكاك لغة قريش باللهجات العربية الأخرى
2. إن جامعي المعاجم لم يأخذوا عن قريش وحدها بل أخذوا كذلك عن قبائل أخرى كثيرة
3. إن كثيرا من الكلمات المذكورة في المعاجم مرادفة في معانيها لكلمة أخرى غير موضوعة في أصل المعنى بل مستخدمة فيها استخداما مجازيا.
4. إن الأسماء الكثيرة التي يذكرها جامع المعاجم للشيء الواحد ليست جميعها في الواقع أسماء بل معظمها صفات مستخدمة استخدام الأسماء
5. إن كثيرا من الألفاظ التي تعد مترادفة هي في الواقع ليست مترادفة بل يدل كل منها على حالة خاصة تختلف بعض الاختلاف على الحالة التي بدا عليها غيره.
6. إنه انتقل إلى اللغة العربية من أخواتها السامية وغيرها مترادفات وألفاظ كثيرة (هدايات، 1992: 48).
وزاد عاشور (1939: 255-262) على ذلك أن من أسباب نشأة الترادف هي :
1. إن اللغة العربية قد تميزت عن أخواتها من اللغة السامية من حين انفصال العرب عن مواطن بقية الساميين لحلولهم في عربة وهي تهامة (التي لأجلها سموا عربا) وهي الشاطئ الكائن على بحر القلزم (الأحمر) في جنوبه وشماله وانتشروا حينئذ على ذلك الشاطئ ثم على شاطئ بحر عدن واستوطنوا ذلك الشاطئ وبعض ثرواته وهو بلاد اليمن فتكلموا بلغتهم العربية العتيقة أعنى اللغة القحطانيين وتفرقوا قبائل فنزلوا حضر موت والأحقاف وبلاد عمان وبلاد البحرين والسروات الفاصلة بين تهامة والبحرين وهي المسماة بنجد ثم بالحجاز. وكانت لغتهم متماثلة متقاربة إذ كانوا أمة واحدة.
2. اختلاف قبائل العرب في أسماء بعض الأشياء فتشيع الأسماء التي ينطقون بها كلها في جميع قبائلهم لا سيما في الحجاز لأنها قرار القبائل.
3. اختلاف نطق قبائل العرب بغض الحروف مثل قولهم "صراط" و"سراط" و"زراط".
4. تخفيف بعض قبائل العرب بعض الكلمات فتصير الكلمة بالتخفيف كلمة أخرى مرادفة لمعنى الكلمة قبل التخفيف مثل "كاك" بمعنى "كذلك" و"عاب" بمعنى "عيب".
5. ما دخل في لغات العرب من الألفاظ الأعجمية وهي ما يسمي بالمعرب مثل القسطاس من الرومية بمعنى العدل.
6. كثرة المجاز في كلام شعراء العرب حتى يشيع شيوعا يقربه من الحقيقة فتحدث بسبب ذلك ألفاظ مرادفة في المعنى المراد للألفاظ الحقيقية وينسى منها اعتبار العلاقة التي أوجبت المجاز بها وما المجاز إلا مفتاح باب المترادف.
7. التوسع في الاستعمال واشتهاره، فمن ذلك إطلاق الوصف المشهور بدون ذكر الموصوف نحو إطلاق المدام والمدامة على الخمر لأن أصل المدام أنه وصف أي الذي أديم في الدن حتى تعتق ثم شاعت وصارت اسما من أسماء الخمر. وإلى جانب ذلك أن الأعراب يهملون ما بين اللفظين اللذين من جنس واحد من الفروق ويطلقونها على معنى مساو. ومثال ذلك أن ثمر الأراك إذا كان رطبا يسمي البرم فإذا أدرك سمي المرد وإذا اسودّ سمي البرير فإذا يبس سمي الكباث.
8. ادعاء بعض علماء اللغة معاني كلمات رادفت بها كلمات أخرى وهو نادر. ومثال ذلك ما حكاه الخليل في كتاب العين عن أهل اللغة قال في قوله تعالى "خلق الإنسان من عجل" إن العجل الحمأة.
9. ضرورة الشعر، وبخاصة القافية. فإن الشعراء تسامحوا لأنفسهم في تغير أحكام بعض الكلمات وتسامح لهم العرب في ذلك. ومثال ذلك كلمة "على" المرادفة "لعلٍ" المرادفة "العلُو" في قول امرئ القيس : "كجلود ضخر حطه السيل من عل".
10.ما نشأ من اختلاط العرب بعد الإسلام في الفتوح فكثر بذلك الترادف إذ زيد في دخول العرب من الفارسية والرومية شيء كثير، وإذ زيد ما دخل من لغات أهل الأمصار وما لم يكن يعلق بمسامع العرب مثل "الدراقن" للتفاح و "القط" للهر و"علو" بمعنى "على" وكان كل ذلك من لغة أهل بغداد.
11. القلب في الكلمة وهو يقع لبعض قبائل العرب كقولهم للأصلع أصعل.
وبناء على أسباب وقوع الترادف فنر أن هناك من علماء اللغة العربية من ينكر وجود الترادفات حيث كانت قابلة فيما بينها في أي سياق بل يدل الترادف على صفة وحالة خاصة وغيرها وبعضهم من يثبت وجودها. فيظهر بذلك الاختلاف بين المنكر والمثبت في وجود الترادف
ومن فوائد الترادف على ما يلي :
1. التوسعة في طرائق التعبير والسلامة من العي والإرتاج والحصر عند الكلام. ومثال ذلك إن نسي أحد عن كلمة يريد إلقاءها عند الكلام فأخذ كلمة أخرى من مترادفاتها.وكذلك حين يصعب أحد على نطق حرف من الحروف الموجودة في الكلمة، نحو صعوبة نطق حرف العين في "أعاد" ثم أُخذ "كرّر" بديلا على ذلك.
2. الوسيلة إلى العدول عن كلمة أخرى أخف منها أو أفصح مفردة أو عند التركيب، وفي حالة إفرادها أو حالة تثنيتها


الترادف


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع