الدكتور مخلص السبتي


كيف يعيق التعصب تآلف الشعوب ؟

الأستاذ الدكتور مخلص السبتي | PhD Moukhliss Sebti


24/01/2023 القراءات: 1501  


كنا نظن أن زمن إحراق كتب المخالفين قد ولى ، وأن تعصب القرون الوسطى قد انقضى ، وان التعقل قد غلب الصفاقة ، والتحضر قد غلب الهمجية ، وأن أروبا قد خرجت من عهد ودخلت في آخر ، عهد ندرك أنه ليس عهدا طاهرا ولا نظيفا ولا قريبا من النظافة والطهر ، لكنه - على الأقل - أطهر من سابقه وأعقل ، لكن اتضح أن وراء كثير من البنايات الجميلة والأجساد الأنيقة قلوبا حاقدة ونفوسا متعصبة ، ومساع لا تكل في إثارة الكراهية والتعصب وتوسيع مدى تأثيرهما بلا هوادة .
الواقع الذي لا بد من الاعتراف به اليوم هو أن أروبا تسير حاليا بخطى متسارعة إلى ما حذر منه عقلاؤها أرنولد توينبي وإدغار موران وغيرهما..وهو ما عبر عنه الفيلسوف الألماني أوزوالد شبنغلر من قبل بعبارته الصادمة " أفول الغرب "le déclin de l'occident "
أن يقدم متطرف حاقد من السويد على فعل شنيع في مكان ما من بلده ، فذلك طيش محدود ، ففي "كل قبيلة هبيلة" كما تقول الحكمة المغربية ، ولدى كل مجتمع متطرفوه ومجرموه ، لكن أن تسمح السلطات له بإحراق المصحف في حي يقطنه المسلمون وأمام وسائل الإعلام في توثيق وتدقيق ، فيما يشبه الدعم والمساندة مع الحماية والرعاية ، فذلك جرم شنيع ، ليس في حق أزيد من مليار مسلم في القارات الخمس فقط ، ولا في حق قيم المحبة والسلام والإندماج والعيش المشترك فقط ، ولا في حق إعلانات حقوق الإنسان ومواثيقها فقط ، بل أيضا في حق أروبا كما نريدها آمنة متحضرة متعايشة .
ولو أن متطرفا أهوج في ديار العرب قد أعلن عن إحراق كتاب تقدسه فئة من سكان البلد ، أو من الأقليات فيه ، لكان ذلك مدانا بكل المقاييس الدينية والحقوقية والأخلاقية ، ولكان خليقا أن يحاكم صاحبه ويدان بأقسى العقوبات ومعه كل من يبرر له جرمه بدعاوى حرية التعبير والتفكير ، ولو أن متعصبا عندنا قد صنع بوثيقة دستور ما ما صنع أحمق السويد ، لكان حريا بالمجتمع أن ينتفض إدانة واستبشاعا...لكن للمجتمعات الأوروبية خصوصيتها في الدفاع عن حق الاختلاف وعن الحريات بكثير من الكلام المنمق ، وقليل من الفعل المسؤول ، فكانت أول خائن لما دعا إليه المصلحون فيها .
كلا يا سادة ، لم يكن الجرم على شناعته بمسيء للقرآن ، فالقرآن أعظم وأكرم من أن يساء إليه ، وشأنه شأن الشمس إذ يشتمها أحمق قائلا لها يا ظلام ، لم تكن الإساءة إلا للإنسان الراغب في العيش بسلام ، ولسمعة أروبا ومستقبلها الذي نرجوه مشرقا ، ويرجوه بعض من فيها على غير ما نرجو .


القرآن الكريم - السويد - التطرف - اليمين - التعصب .


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع