مدونة د. سالم مبارك محمد حسن بن عبيدالله


جهود علماء التجويد الصوتيَّة الجزء الثَّاني

د. سالم مبارك محمد حسن بن عبيدالله | D. Salem Mubarak mohammed ban obaidellah


14/09/2020 القراءات: 4460  


وقد كان الجانب النطقي من أهم وسائل حفظ القرآن الكريم، فأسَّسوا قواعد لدراسة اللغة العربيَّة، فوصفوا مخارج الأصوات وصفًا دقيقًا، على الرغم من اعتمادهم على الملاحظة الذاتيَّة فقط التي لم تتعدَّ الحسّ الدقيق، والأذن الموسيقيَّة المرهفة، وتحدَّثوا عن صفات الأصوات فنشأ "علم التجويد"، فكان هذا المبدأ السبب الأبرز في اهتمام علماء العربيَّة في دراسة الأصوات، فألَّفوا فيها الكتب والمصنَّفات. ولعلَّ ارتباط دراسة الأصوات بالقرآن الكريم لاسيما تجويده وتلاوته التي تستند إلى النطق الصحيح للأصوات، وضبط مخارجها وصفاتها هو الذي يقود إلى القول إنَّ علم الأصوات قد ارتبط بعلم التجويد. غير أنَّ علم التجويد من حيث هو علم" يعنى بدراسة مخارج الأصوات وصفاتها، وما يترتَّب على ذلك من أحكام عند تركيبها في الكلام المنطوق ظهر في حدود القرن الرابع الهجري، فلم يعرف كتاب ألِّف في هذا العلم قبل ذلك القرن .
إنَّ العارفين بتجويد القرآن الكريم وعلماء قراءاته، هم الذين عنوا بالصوتيات عناية قد تفوق عناية غيرهم، وقد اعتنوا بالإدغام عناية خاصَّة، وأفاضوا فيه، يدفعهم إلى ذلك كلّه حرصهم على إتقان ترتيل كتاب الله وتجويد نطقه، وعنايتهم بالأصوات أدت إلى ظهور مراتب التجويد، وظهور مصطلحات صوتيَّة مهمَّة في وقت مبكِّر؛ كالإشمام، والروم، والاختلاس، والإمالة، والتخفيف، والتفخيم( يُنظر: البحث اللغوي عند العرب /77).
وقد كان هدف الدراسة الصوتيَّة عند علماء التجويد هدفًا صوتيًّا محضًا، في حين كان هدفها عند علماء العربيَّة لبحث مسائل صرفيَّة تختلط بالدراسة الصوتيَّة مثل: الإدغام، والإبدال، والإمالة. ولم تَخْطُ هذه الدراسة عندهم خطوة أُخرى تكمل ما بدأه ابن جنِّي؛ ليكون علم الأصوات مستقلاًّ عن النحو والصرف، وقد ضعفت الدراسة الصوتيَّة لدى علماء العربيَّة المتأخِّرين وكأنَّ علماء التجويد حملوا عنهم عبء هذا الموضوع، وقد استندت دراسة علماء التجويد للأصوات إلى تقسيم اللحن إلى جَلِيِّ، وهو الخطأ في الحركات، وخَفَيٍّ وهو الخلل في توفية الحروف حقَّها من الصفات الصوتيَّة حتَّى يكون النطق عربيًّا صحيحًا خاليًا من شوائب الانحراف. ويمكن أن ندرك ذلك من قول أبي مزاحم الخاقاني في قصيدته في حسن أداء القرآن، التي تُعَدُّ أوَّل مؤلف في علم التجويد:
فأَوَّلُ علمِ الذِّكْرِ إتقانُ حِفْظِهِ ومعرفةٌ باللَّحْنِ مِن فِيك إِذ يجري
فكن عارفًا باللحن كي ما تزيلَهُ فما للذي لا يَعْرِفُ اللَّحْن مِن عُذْرِ
( يُنظر: رائية الخاقاني، لأبي الفتح موسى بن عبيد الله الخاقاني /21، والوجيز في حكم تجويد الكتاب العزيز، د. محمد بن سيدي محمد محمد الأمين، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة،، ط.1422 هـ - 2002م /65.)
وكان ابن مجاهد البغداديّ، وهو معاصر لأبي مزاحم، قد قسَّم اللحن إلى جليّ وخفيّ، وبنى عليّ بن جعفر السعيديّ كتابه في التجويد على هذه الفكرة، فَسَمَّاه "التنبيه على اللحن الجليّ واللحن الخفي"ّ. وكانت فكرة اللحن الخفيّ تقف وراء الدراسات الصوتيَّة عند علماء التجويد، فقد درسوا أصوات اللغة معتمدين على ما كتبه علماء العربيَّة، لكنَّهم كانوا يدقِّقون في صور النطق، فرصدوا الانحرافات الصوتيَّة، ممَّا سَمَّوْهُ اللحن الخفيّ، وحذّروا من مواقعته، وبيّنوا سبل الاحتراز منه، وقد تحقّقت لعلماء التجويد بذلك فرصة لدراسة أصوات العربيَّة دراسة شاملة، شملت: المخارج والصفات، والأحكام، واللحن، وعيوب النطق.


علم التجويد - النظام الصوتيّ - مخارج الأصوات - اللحن


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع