مدونة د. محمد سلامة الغنيمي


الرغبة في التجديد: سمة بشرية أزلية ودوافعها النفسية

د. محمد سلامة غنيم | Dr. Mohammed Salama Ghonaim


01/12/2024 القراءات: 8  



مقدمة

تعتبر الرغبة في التجديد والتغيير سمة أساسية في الطبيعة البشرية، وهي سمة تتجلى في مختلف جوانب الحياة. من خلال هذه الرغبة، يسعى الإنسان باستمرار إلى تجاوز حدود المعروف والبحث عن الجديد والمختلف. في هذا المقال، سنتناول هذه الظاهرة النفسية بالتحليل والتفصيل، مستندين إلى مجموعة من الأدلة العلمية والنظرية التي تشرح أسبابها وتأثيراتها على سلوك الإنسان.

الشغف بالتجديد: سمة فطرية أم مكتسبة؟

لطالما حيرت هذه السمة الباحثين في مجال علم النفس، فهل هي سمة فطرية متأصلة في طبيعة الإنسان منذ ولادته، أم أنها نتيجة لتعلم الإنسان وتفاعله مع بيئته؟ تشير العديد من الدراسات إلى أن الرغبة في التجديد هي مزيج من العاملين الوراثي والبيئي. فمن ناحية، هناك أدلة بيولوجية تشير إلى أن الدماغ البشري يحفزه البحث عن الجديد والمثير، وذلك من خلال إفراز بعض المواد الكيميائية التي تمنح الشعور بالمتعة والإشباع. ومن ناحية أخرى، تلعب البيئة الاجتماعية والثقافية دورًا هامًا في تشكيل هذه الرغبة، حيث يتعلم الإنسان من خلال تفاعله مع الآخرين قيم التجديد والتطوير.
أسباب الرغبة في التجديد

هناك عدة أسباب نفسية تدفع الإنسان إلى البحث عن التجديد والتغيير، من أهمها:

الملل: يعتبر الملل من أهم المحفزات التي تدفع الإنسان إلى البحث عن تجارب جديدة. فالإنسان بطبيعته يميل إلى تجنب الروتين والرتابة، ويسعى إلى إثارة حواسه وتنشيط عقله.
الفضول: الفضول هو سمة إنسانية أساسية تدفعنا إلى استكشاف العالم من حولنا والبحث عن إجابات لأسئلتنا. وهذا الفضول الطبيعي يدفعنا إلى تجربة أشياء جديدة واكتشاف جوانب جديدة من أنفسنا.
الحاجة إلى النمو والتطور: يشعر الإنسان بالحاجة الدائمة إلى النمو والتطور، سواء على المستوى الشخصي أو المهني. والتجديد هو أحد الوسائل التي تساعدنا على تحقيق هذا النمو والتطور.
الرغبة في الهروب من الواقع: قد يلجأ الإنسان إلى التجديد كوسيلة للهروب من مشاكل الحياة اليومية أو من الشعور بالضيق والاكتئاب.

أمثلة على الرغبة في التجديد

كما ذكر في السؤال، هناك العديد من الأمثلة التي توضح هذه الرغبة في مختلف جوانب الحياة:

المجال الغذائي: يبحث الإنسان باستمرار عن أطعمة جديدة ونكهات مختلفة لإرضاء حواسه وتجديد تجربته الطهوية.
المجال المهني: يشعر العديد من الموظفين بالملل من روتين العمل اليومي، ويسعون إلى تطوير مهاراتهم أو تغيير وظائفهم للحصول على تحديات جديدة.
العلاقات الاجتماعية: يبحث الإنسان عن علاقات اجتماعية متنوعة ومثيرة، ويسعى إلى تكوين صداقات جديدة وتطوير علاقاته الحالية.
الهوايات والاهتمامات: يميل الإنسان إلى تغيير هواياته واهتماماته باستمرار، وذلك للبحث عن تجارب جديدة واكتشاف مواهب خفية.

تأثيرات الرغبة في التجديد:

للرغبة في التجديد تأثيرات إيجابية وسلبية على حياة الإنسان. من بين التأثيرات الإيجابية:

زيادة الإبداع والابتكار: يساعد التجديد على تنشيط العقل وتوسيع آفاق التفكير، مما يعزز الإبداع والابتكار.
التطور الشخصي والمهني: يساعد التجديد على تطوير المهارات والمعارف، وتحقيق النمو الشخصي والمهني.
زيادة الرضا عن الحياة: يساعد التجديد على تجنب الملل والروتين، مما يزيد من الشعور بالرضا عن الحياة.

أما من بين التأثيرات السلبية:

الإسراف:قد يؤدي التعلق بالتجديد إلى الإسراف في شراء الأشياء الجديدة، مما يضر بالوضع المالي.
عدم الاستقرار: قد يؤدي التغيير المستمر إلى عدم الاستقرار في الحياة الشخصية والمهنية.
صعوبة في بناء العلاقات طويلة الأمد: قد يؤدي البحث المستمر عن الجديد إلى صعوبة في بناء علاقات عميقة ومستقرة.

خاتمة:

في الختام، يمكن القول أن الرغبة في التجديد والتغيير هي سمة أساسية في الطبيعة البشرية، وهي سمة تحمل في طياتها العديد من الإيجابيات والسلبيات. من خلال فهم هذه الرغبة ودوافعها، يمكن للإنسان الاستفادة منها بشكل إيجابي وتحقيق التوازن بين الحاجة إلى التجديد والحاجة إلى الاستقرار.


تربية، فكر، نهضة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع