وأجمل الناس مقلال من الكلم
الأستاذ الدكتور مخلص السبتي | PhD Moukhliss Sebti
20/01/2023 القراءات: 2351
أبدع الشاعر السوري فاضل أصفر في قصيدة "وأجمل الناس " إبداعا عز نظيره ، وندر في الشعر مثاله ، وكان قوله :
كم من فقيرٍ صحيحٍ طابَ مرقدُهُ
وكم ثريٍّ من الأوجاعِ لم ينمِ
وكِسْرةُ الخبزِ في أكنافِ عافيةٍ
ألذُّ طعمًا من السلوى مع السقمِ
وإن من مات من جوع يكابده
قتيل من بات مبطونا من التخم
كان قوله في ذلك جميلا مؤثرا ، لكن على الرغم من دقة التعبير وجمال الوصف وبلاغة السبك وسمو المعنى ، فقد كانت هذه الأبيات مثل الشجرة الجميلة السامقة التي تخفي غابة من الأشجار ذات الثمار والإخضرار ، وإلا فإن كل جمال القول وسمو المعنى لن يخفي الحقيقة القاسية التي أصوغها للمعارضة كالآتي :
فكم من ثري سليم طاب مرقده
وكم من فقير من الأوجاع لم ينم.
وصحون لحم في أطراف طاولة
ألذ طعما من الفقر مع السقم .
وأكثر من مات من جوع يكابده
قتيل عيش في الوهم مع الكسل
وكان أحرى بالشاعر الفاضل أن يذكر الناس بهذه الحقيقة المرة ، لكن أكثر الشعراء في وادي الرأفة قد يهيمون ، وعن العقل والمنطق قد يعرضون، فالمنطق يفسد الشعر كما تفسد العلوم الاهواء ، وحيث أنه لا مجال للأهواء في العلم ، فلا مجال للمنطق في الشعر ، فأحجم شاعرنا عن ذكر هذه الحقيقة خوفا على مشاعر الفقراء ، وإنه لإحجام طيب مشكور ، وسعي مفهوم مقدر ، لكنه سعي لا يطلع إلا على جانب ضيق من الحقيقة ، كما يطلع ثقب الباب على الموجود خلفها ، فأحرى بذلك أن تزل الأقدام وتكل الافهام ، ويحسن القبيح في الأبصار ، وأي قبح أفظع من الفقر إلا الكفر ، وإذا كان الأجدر التوسعة على الفقير ، فالاجدر التضييق على الفقر ، ولن يكون هذا إلا بذاك ، وإلا بأن يجند أولوا الأقلام أقلامهم ، وأصحاب الشعر أبياتهم ، فشكر الله لشاعرنا بلاغته، فإنه قد فتح لي بها بابا لتصويب القول وتجويد المعنى ، ولو لم يكن ذاك لم يكن هذا ، فإنه إذا اختلفت زوايا النظر ، ارتقت عقول البشر ، فإذا ارتقت تآلفت وإذا تآلفت تعاونت ، وإذا تعاونت ازدهرت الأرض وسعدت النفوس ، ولولا الاختلاف لما كان رقي ، ولما انتبه للرقي أحد .
الفقر - الغنى - الصحة - السقم - الاختلاف - البلاغة - الرقي
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع