مدونة رائد محمد حلس


نحو سياسات فاعلة لمعالجة التمييز ضد المرأة في سوق العمل الفلسطيني

د. رائد محمد حلس | Dr-Raid Mohammed Helles


24/03/2022 القراءات: 3507  


يعاني سوق العمل الفلسطيني من ضعف القدرة على استيعاب الطلب على العمالة بشكل عام، وذلك بسبب ضعف الاقتصاد الفلسطيني المرتبط بحالة عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه فلسطين من جهة، وتبعيته للاقتصاد الاسرائيلي وسياسة الاغلاق والحصار من جهة أخرى، مما ترتب على ذلك مجموعة من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية أثرت على جميع أفراد المجتمع وبخاصة على النساء نتيجة التمييز الذي يتعرضن له في سوق العمل ، وقد شكلت هذه المشكلات في مجملها تحديات أعاقت أو حالت دون دخول المرأة في سوق العمل ومشاركتها الفاعلة في العملية التنموية والتي تتأثر بالبيئة الاقتصادية والتعليمية والثقافية وبيئة وظروف العمل، نستعرضها فيما يلي:
أولًا/ تحديات البيئة الاقتصادية: تتمثل في عدم وجود خطة تنموية لاستيعاب الأيدي العاملة النسائية الفلسطينية ضمن منهج اقتصادي – اجتماعي يأخذ بعين الاعتبار الحاجات والخصائص الأساسية للمرأة الفلسطينية، مما أدى في المحصلة إلى ضعف مشاركتها في القوى العاملة، بالإضافة إلى تفضيل الدور الإنجابي على الدور الإنتاجي للمرأة، واعتبارها معيلًا ثانويًا، حيث يتركز دورها الإنتاجي في القطاعات الاقتصادية غير الرسمية وتفضيل الرجال على النساء في المؤسسات والشركات بمختلف تصنيفاتها بسبب دور المرأة الإنجابي، وبالإضافة إلى أن غالبية النساء يعملن في قطاعات غير مدفوعة الأجر تتبع بشكل رئيسي للأسر ضمن مشاريع خاصة بالعائلة مثل (صناعة الأجبان والألبان في المنازل، والمعجنات والخياطة والتطريز) حيث تشكل هذه الأعمال طابع العمل غير المنظم والذي يعمل فيه أكثر من 60% من النساء ولا يخضع لأي شروط ومعايير وضوابط قانونية أو أي شكل للحماية من الاستغلال.
ثانيًا / تحديات البيئة التعليمية: تتمثل في النظرة التقليدية التي ما زالت قائمة على التمييز في الأدوار والمكانة بين الرجل والمرأة في توجهات التعليم، حيث لا يزال المجتمع يفضل التخصصات في العلوم الإنسانية التي تفضي لوظيفة التعليم للإناث، على قاعدة الأنسب لأدوارها الإنجابية كأم وزوجة، دون الاعتبار والنظر لها كشريكة ومشاركة أساسية في سوق العمل، ولها حق اختيار نوعية التخصص ومن ثم الوظيفة التي تود الالتحاق بها.
ثالثًا / البيئة الثقافية: تمثل في ثقافة المجتمع واعتقاداته بشأن عمل المرأة وتحديدًا نظرة المجتمع لمساواة المرأة بالرجل في ميدان العمل، حيث لا يزال الكثير من الفلسطينيين لا يؤيدون عمل المرأة كقاضية أو وكيل نيابة أو في الأمن أو مهندسة أو سفيرة أو سائقة تاكسي أو صاحبة محل صرافة، تلك بعض المهن وغيرها كثير. كما لا يزال نسبة كبيرة من المجتمع لا تؤيد عمل المرأة في مكان كله رجال.
رابعًا / تحديات بيئة وظروف العمل: تتمثل في استمرار الصورة النمطية لدور المرأة والرجل في سوق العمل، حيث يتركز عمل المرأة بالمهن والوظائف ذات معدلات الأجور المنخفضة مقارنة بأجور الرجال، وربط المرأة بوظائف معينة دون غيرها مثل: سكرتيرة، مدرسة روضة، معلمة، عاملة نظافة...إلخ، إضافة إلى أن سوق العمل المحلي ذكوري دائماً يميل في توسع الفرص بالتشغيل باتجاه الذكور، وكذلك تخاذل ورفض بعض الشركات في القطاع الخاص تطبيق قانون العمل الفلسطيني، والحد الادنى بالأجر، وغياب الرقابة من قبل الحكومة، مما يمهد الطريق أمام المشغلين لاستغلال حاجة النساء، بالإضافة إلى أن ظروف العمل غير ملائمة لعمل المرأة من حيث استغلالها في ساعات عمل طويلة والمضايقات التي تتعرض لها في مكان العمل واستغلالها في العمل، حيث يظهر مسح العنف في المجتمع الفلسطيني 2019، تعرض 2% النساء المتزوجات أو اللواتي سبق لهن الزواج (18- 64 سنة) للعنف في أماكن العمل في فلسطين.
وتجد الإشارة هنا إلى أن المرأة الفلسطينية تشكل نصف المجتمع، ونصف طاقته الإنتاجية لذا أصبح من الأهمية بمكان أن تأخذ المرأة دورها وبخاصة إسهامها في العملية التنموية على قدم المساواة مع الرجل في سوق العمل، ويرتبط نجاح المرأة في هذا الدور بمعالجة كافة أشكال التمييز في سوق العمل، وإزالة كل فجوات التمييز والمعيقات التي تواجه المرأة في بيئة العمل من خلال اتباع سياسات فاعلة واليات تدخل ترتكز بشكل أساسي على تقسيم الوظائف وتحديد طبيعة الوظائف المتعلقة بالرجال والنساء، وإعادة النظر بطبيعة التخصصات التعليمية التي تنخرط بها النساء، والعمل على موائمة التخصصات التعليمية التي تنخرط بها النساء باحتياجات سوق العمل لزيادة مشاركتها في سوق العمل.
بالإضافة إلى توفير برامج تدريبية لإعادة تدريب النساء العاطلات عن العمل لتحسين مهاراتهن وقدراتهن الفنية والعملية، وتنظيم حملات ضغط ومناصرة بهدف تعزيز العدالة والمساواة في فرص العمل والتوظيف والحقوق وبدون تمييز، وتكافؤ الفرص للنوع الاجتماعي في بيئة العمل بما يحقق التنمية المستدامة.
وكذلك تصميم برامج دعم عمل النساء بهدف التغلب على عناصر المقاومة التي تعمل على طرد النساء من سوق العمل من خلال عمل حاضنة incubator لتشغيل النساء لفترة معينة إلى أن تستقر عملية تشغيل النساء بحيث تصبح جزءًا من مركبات سوق العمل، وكذلك توفير أشكال مختلفة من خدمات الرعاية والخدمة للأطفال وخاصة للنساء العاملات لتمكينهن من ظروف عمل أكثر ملاءمة لأدوارهن في الاسرة، والعمل على خلق بيئة مساندة وداعمة للنساء، من خلال تفعيل الرقابة على تطبيق قانون العمل، وتطبيق الحد الأدنى للأجور


التمييز ضد المرأة - سوق العمل - بطالة النساء - المشاريع النسوية - التمكين الاقتصادي للمرأة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع