مدونة دكتور/ معتز احمد رفاعي زارع


مقالات منهجية في الخلاف الفقهي

دكتور/ معتز احمد رفاعي زارع (المنهاجي) | Moataz Ahmed Rfaye Zarea


22/07/2023 القراءات: 1315  


مقالات منهجية في الخلاف الفقهي (1)

بقلم
دكتور/ معتز أحمد رفاعي زارع
الباحث في الدراسات الإسلامية
المتخصص في (علوم السيرة النبوية) و (الخلاف الفقهي)
[email protected]

(1) المقالة الأولى
اِعلم أن منبع الفقه كله بمدارسه، وأقسامه، وأصوله، وفروعه؛ هو: (رسول الله محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-)، ومشارب المدارس الفقهية جميعها ب الرأي والاجتهاد، والأثر، والتتبع، والعمل؛ هم: (الصحب الكرام -رضوان الله عليهم جميعًا-)، وأبو الفقهاء أجمع ب رجاحة العقل، وقوة الاستنباط، والمُتفنن في المآل؛ هو: النعمان بن ثابت بن مرزبان الكوفي (أبو حنيفة -رحمه الله-)، والمُطبِّق لمدرسة الأثر، والمُسطِّر لها عبر كتاب الإسلام الأول (الموطأ)، والمُتفنن في المقاصد الشرعية؛ هو: (مالك بن أنس المدني -رحمه الله-)، والجامع الأول بين مدرستي الرأي والأثر، وكذا الإمام الثالث على وجه الحقيقة، وصاحب تصانيف كتب ظاهر الرواية؛ هو: (محمد بن الحسن الشيباني -رحمه الله-)، والمُتوسع في مدرسة الجمع، والمتفنن في التكييف الفقهي، والمُسطر الأول لأصول الفقه؛ هو: أديب الفقهاء (محمد بن إدريس الشافعي -رحمه الله-)، وكل من جاء من بعد هؤلاء عيال في الفقه عليهم.
هذا, وليس كُلُ عقلٍ من عُقول (الخاصة) يصلحُ للفقه، فجُل عقول (الخاصة) تصلحُ للحديث، والتفسير، والعقيدة، والسيرة، واللغة، والتاريخ، والتراجم، والخطط ...إلخ إن درسوها وتمكنوا منها إلا (الفقه) فليس جميع هذه العقول تستقيم له ومعه.

(2) المقالة الثانية
لم تُفرد كُتب الخلاف الفقهي جُملةً واحدة بل سُطِّرت بين ثنايا كُتب الفقه المذهبي، ثم صارت تتوسع من خلالها حتى بدأ تصنيفها على نحو المقارنة بين إمام وإمام آخر، أو بين إمام المذهب وتلميذه، وهكذا إلى أن استقرت في مصنفات خاصة عُرفت بكُتب الخلاف الفقهي، كل هذه المراحل قد نشأت وتطورت ونضجت في مرحلة الأقدمين وكذا القنطرة -التي بين المتقدمين والمتأخرين-، ومما يُميز هذه الكتب في هذه المراحل كونها مُنضبطة وغالب من كَتب فبها من أهل الصنعة الخلافية الذين هم أفقه الناس بهذا العلم، ثم جاءت مرحلة المتأخرين الذين ابدعوا في النقول الخاطئة -إلا القليل منهم- وجمعوا ما يُخالف مُعتمدات المذاهب، حتى وصل الأمر أن يأتي أحدهم -وهو من أصحاب مذهب كذا- فيُخالف مُعتمدات المذاهب الأخرى ليس هذا فحسب بل ومعتمد مذهبه هو أيضًا.
هذا, وقد صنَّف في هذه المرحلة جماعةٌ كُثر أكثرهم ليسوا من أهل الصنعة الخلافية؛ الأمر الذي أدى إلى التخبطات العلمية وساعدت عملية النسخ -المعهودة عن المتأخرين- في انتشار كُتبهم بشكل واسع وتناسى الناس الكتب الأولى واعتمدوا في كتبهم على هذه الكتب المتأخرة، ولعلي في مقال قادم بإذن الله تعالى أفرد للقارئ مقارنة إجمالية بين كتب الخلاف الفقهي عند المتقدمين والمتأخرين؛ الأمر الذي سيؤكد للقارئ -بالإضافة الى ما سبق ذكره- أن هذا المسار له أهلهُ وصُنَّاعهُ، وكل من كتب فيه من غير أهله عرّقل هذا المسار كثيرًا.

(3) المقالة الثالثة
ثمة فرق بين المدرسة الفقهية الخالصة والمدرسة الحديثية، فالمُعتد بأقوالهم في الخلاف الفقهي عند أصحاب الصنعة من المتقدمين أولئك أصحاب المدرسة الفقهية الخالصة وما عداهم فتُدرج أقوالهم من باب الاستئناس فحسب، ولقد انتفش ذكرهم قديمًا وحديثًا من لدُن أصحابهم لا من أصحاب الصنعة الخلافية، فعلى سبيل المثال: تجد (المروزي وابن هبيرة) ومن على طريقتهم في تدوين الخلاف الفقهي يُصرحون بتلك المدرسة الحديثية ويجعلونها ندًا بند مع المدارس الفقهية الخالصة لكنهم ومع هذا يدرجونها في ذيل المذاهب إيمانًا منهم بأنها من واقع الانتصار للمذهب فيخجلون من تصديرها، ومن جميل ما وقفت عليه وأثبته بفضل الله خلال رسالتي –الدكتوراه- أن المعالم والفروع والأصول والجذور للمدراس الفقهية تختلف تمامًا عن المدرسة الحديثية.
هذا، ولو قدمت دراسة إحصائية في مُخالفة الجمهور من الفقهاء في المسائل الفرعية تجدها من أصحاب المدرسة الحديثية؛ ذلك لأن مقوماتها لا تُسعفها أن تقف على ما وقفت عليه المدراس الفقهية الخالصة، وعلى صعيد آخر تجد التدوين يشهد لما ذكرته سلفًا، فإن طلبت من فضيلتك مثلاً أن تكتب لي مصادر مُتقدمة للمذهب الحنبلي لا يسعفك التدوين في ذلك إلا بمصدرٍ واحدٍ وعليه قامت الشروحات إلى يومنا هذا؛ الأمر الذي يؤكد لك أن المدرسة الحنبلية ولدت حديثية صرفة وأرادت أن تُزاحم المدارس الفقهية الخالصة لكنها فشلت في ذلك قديمًا، كما أنها أرادت أن تنفصل عن وعاءها العام المتمثل في مدرسة أصحاب الحديث ففشلت أيضًا لأن الإحصاء يشهد أن غالب ما جاء به الإمام أحمد إنما هو من عنديات الشافعي في القديم . . .


(4) المقالة الرابعة
إن لكتب الخلاف الفقهي سمات خاصة لابد وأن تتوافر جميعها أو أغلبها في الكتاب حتى يتسنَّى لنا أن نضعها في مكتبة الخلاف الفقهي فعند الحديث -مثلاً- عن رواية الموطأ لمحمد بن الحسن الشيباني فإنه لا تتوفر فيها تلك السمات بل فيها بعض التعريجات، والتعريجات لا تنقلها من طبيعة كتب الفقه المذهبي إلى المقارن.
هذا, وإني أوصي الباحثين ألا ينقلوا خلافًا وقع بين العلماء وأحدهم من أهل الصنعة والآخر ليس من أهلها، أو من صنعة أخرى خلاف مناط الخلاف ومادته ثم تقول: هذا خلاف قديم ولم ينحل! فالخلاف الذي لم ينحل هو الخلاف المعتبر والمستساغ لأنه محلول بالفعل، أما الخلاف غير المعتبر فهو محلول منذ بدايته.
ولعل من أعظم الأسباب في تعددية الآراء في المسألة الواحدة وتسطيرها؛ هو التسطير ذاته لآراء من ليس لهم صنعة فقهية وإن كانوا أعلامًا في تخصصاتهم الأخرى.
بقلم
دكتور/ معتز أحمد رفاعي زارع
الباحث في الدراسات الإسلامية
المتخصص في (علوم السيرة النبوية) و (الخلاف الفقهي)
[email protected]


مقالات في الخلاف الفقهي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع