مدونة الأستاذة الدكتورة / إيمان الجمل
المعارضات في الشعر الأندلسي
إيمان السيد أحمد الجمل | eman elsayd ahmad el gamal
09/02/2022 القراءات: 3741
أولاً : المعنى اللغوى للمعارضة :
«وعارض الشىء بالشىء معارضة: قابله، وعارضت كتابى بكتابه أى قابلته، وفلان يعارضنى أن يبارينى، وعارض فى السير: سار حياله وحاذاه، وعارضته بمثل ما صنع أى أتيت إليه بمثل ما أتى وفعلت مثل ما فعل، ويقال : عارض فلان فلانًا، إذا أخذ فى طريق وأخذ فى طريق آخر فالتقيا»(1).
ثانيًا : المعنى الاصطلاحى للمعارضة :«المعارضة فى الشعر أن يقول شاعر قصيدة فى موضوع ما من أى بحر وقافية فيأتى شاعر آخر فيعجب بهذه القصيدة بجانبها الفنى وصياغتها الممتازة، فيقول قصيدة من بحر الأولى وقافيتها، وفى موضوعها أو مع انحراف عنه يسير أو كثير، حريصًا على أن يتعلق بالأول فى درجته الفنية أو يفوقه فيها دون أن يعرض لهجائه أو سبِّه، ودون أن يكون فخره صريحًا علانية، فيأتى بمعان أو صور بإزاء الأولى تبلغها فى الجمال الفنى أو تسمو عليها بالعمق أو حسن التعليل، أو جمال التمثيل، أو فتح آفاق جديدة فى باب المعارضة»(2).
ومن خلال استعراض المعنيين نرى اتفاقًا على مفهوم اشتراك أمرين فى فعل واحد يؤدى الطريقة ذاتها وعلى النمط نفسه فيحدث التلاقى المعبر عن انبهار الثانى بالأول، ومن ثم فإن محاولات المعارضة تضع أقدامها على طريق الإجادة والتفوق أحيانًا فتلحق بالركب، أو تضل طريقها فتتراجع وتتوقف أحيانًا أخرى، وهذا يؤيد مفهوم المعارضة الصحيحة وهو القائم على تصور المعارضة نوعًا من التعبير عن الإعجاب وإثبات القدرات الإبداعية الخاصة التى تميز شخصية صاحبها الأدبية وتخرج به عن دائرة الاتهام بالتقليد البحت والمحاكاة الباردة وإن كان هذا طورًا من الأطوار الأولى للمعارضات الأندلسية، وقد دافع أكثر من باحث عن هذا المفهوم وحاولوا أن يدرءوا عن المعارضات هذا الاتهام الذى يحط من قدرها كعمل أدبى خلاّ من مبدع يضيف على النص الأول قيمة جديدة ويبث فيه الحياة من جديد بعدما كاد أو يكاد يبلى ويخلق ويسعى لإثراء مكتبة الشعر العربى.تنقسم المعارضات الشعرية إلى قسمين: الأول منهما صريح كامل قالبًا إيقاعيًا وغرضًا جوهريًا سواء أكان الجوهر مماثلاً لكل أغراض القصيدة أم لأجزاء منها. والثانى منها معارضة غير تامة تقتصر على الشكل أو القالب الإيقاعى فقط دون تماثل الموضوع، والقسم الأول هو ما اشتهر من أنواع المعارضات الأندلسية لشعراء المشرق. وقد أوضح هذين القسمين د. عبد الرحمن إسماعيل الذى جعل توافق القصيدتين وزنًا وقافية وموضوعًا سواء أكليًا أم جزئيًا جعلها سببًا للدخول تحت نوع المعارضات الصريحة مضيفًا الإعجاب كشرط من الشروط الأساسية وجعل المعارضات غير التامة أو كما سماها الضمنية معارضات تتفق شكلاً وتختلف موضوعًا. أما النوع الثانى فهو المعارضات الضمنية وفيه تتفق «القصيدتان المتأخرة والمتقدمة فى عناصر الشكل الخارجى وتختلفان فى الموضوع العام ... وإذا اختلفتا فى الموضوع العام فلابد من اتفاقهما فى الوزن والقافية، وهذا النوع من المعارضات الشعرية غالبًا ما يختفى منه وعى الشاعر للمعارضة وينطلق على سجيته معتمدًا على موروثه القديم متداخلاً مع غيره من الشعراء السابقين»(2). ولنا هنا أن نطرح تساؤلاً وأن نحاول إيجاد تفسيرات وإجابات موضوعية له، ما الأسباب التى دعت شعراء الأندلس إلى هذا الاتباع والتقليد، وما الذى أدى إلى ظهور فن المعارضات وازدهاره فى الشعر الأندلسى؟ وهل هذا التتبع الذى كاد يكون حرفيًا فى بداياته هل كان أمرًا لا مفر منه حتى بات طبعيًا أن يكون، مما جعل بعض كتاب الأندلس ونقادها أنفسهم يبدون استنكارهم إياه مثلما صرح بذلك ابن بسام فى ذخيرته، ثمة عوامل عديدة فرضت وجودها على ساحة هذه القضية ولم يكن لشعراء الأندلس بد منها فسواء أبوا أم لم يأبوا فلقد وجدوا أنفسهم يسيرون فى هذا الطريق ويترسمون خطاه، وعن ذلك يعبر د. إحسان ويحدد تلك العوامل مقررًا أن هذا التقليد المشرقى كان أمرًا طبعيًا بل يكاد يكون حتميًا لعدة أسباب منها :
1- «إن الأندلس مهما تحرز استقلالاً عن المشرق فى سياستها ونظمها فإنها بنت المشرق، ولم تنقطع صلتها الثقافية به فى يوم من الأيام، وقد ظلت الرحلة العلمية إلى المشرق هى منبع العلم والعرفان، فكيف إذا أضفت إلى ذلك تلك الرابطة الدينية القوية التى تجعل وفود الأندلسيين تستهين بكل المصاعب البرية والبحرية فى سبيل أداء فريضة الحج.
2- إن الأندلس كانت بحاجة إلى المشرق لأنه أرقى حضارة وأحفل بأسباب التقدم العمرانى.
3- إننا إذا نظرنا إلى الموروث الأدبى وجدنا أن موروث الأندلسيين الأدبى -وهم عرب أو ذوو ثقافة عربية- إنما هو شعر العرب وأدبهم منذ الجاهلية حتى أبى تمام، وليس من الطبيعى أن يجذ الأندلسيون أسباب ذلك الموروث؛ لأنهم لا يحملون للمشرق إلا كل تقدير وإكبار. زد على ذلك أنه من العسير على الإنسان أن يطرح جانبًا المؤثرات التى تلقّاها فى الصغر، ووجهت نظرته وطريقته فى التعبير.
4- إن الوسيلة التعبيرية عند الأندلسيين والمشارقة واحدة بكل ما فيها من مظاهر القدرة أو العجز، والاتحاد فى وسيلة التعبير يوحّد أو يقرب صور الشكل، كما أن الاتحاد فى مواد الحضارة يوحد الموضوع الشعرى.
5- إن الشعر المحدث -من بين جميع الموروث الشعرى العربى- أحب إلى الأندلسيين، لأنه يعبر عن مرحلة حضرية يعيشونها، بينما يمثل الشعر القديم (أو البدوى) مرحلة لم يعرفوها، ولهذا تناولوا النماذج الجاهزة من الشعر المحدث وصبوا على قوالبها»(1).
كما يرى د. إحسان أن المعارضات قد تكون «من قبيل الدربة والتعلُّم إذا طالب بها المعلم ومن قبيل إثبات القدرة للمتعلم ومن مثل ذلك عندما أسمع ابن هذيل تلميذه الرمادى قوله :
ومرنَّة والدجن ينسج فوقهـــا
بردين من حلك ونور باكـــى
المعارضات - الشعر - الأندلسيّ
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع