المعرفات الثلاتة المشكلة لنظام الشخصية القوية
عبد الحميد بغوره | ABDELHAMID BEGHOURA
08/12/2022 القراءات: 1369
ينشأ الإنسان وهو يحمل داخله مجموعة من المحركات الشعورية ذات النطاق المؤثر على النفس والتي تجعل منها مستويات مختلفة في التعامل مع نظيرها، فهناك أنفس لها قبول في الأوساط المجتمعية بما لها من ميزات قوية تستطيع من خلالها التأثير في فئات من الناس ليست بقليلة- لما لها كذلك من خصوصيات في الميزات الفطرية التي اكتسبتها- وبذلك تصنع اسما ووصفا يعرف في عالم النفس والبشر بقوة الشخصية، فما هو ياترى مدلول هذا الوصف وأثره في التعامل المجتمعي؟
دون التطرق إلى دلالات اللفظين اللغوية "القوة" و"الشخصية" كل على حدة، يمكن أن يقال أن القوة في الشخصية هي محصل تلاقي وتفاعل ميزات شعورية- ونعتها أنها شعورية ليس بالنظر لطبيعة ذاتها وإنما بالنظر إلى أثرها في النفس-فالمحركات الشعورية داخل النفس أنواع كثيرة داخلية وخارجية تؤثر في وسط التفاعل- لتوليد عنصر يحظى بالقبول ويتصف بالتأثير في الأوساط المجتمعية بمختلف طبقاتها- وهذا العنصر المنتج له معرفات يمكن من خلالها معرفته ولعل أبرزها:
معرف الجذب العام: ويعني أن صاحبه له قدرة خفية تجعل من الناس تنجذب إليه باختلاف مستوياتهم وفئاتهم العمرية ، وهذه القدرة عبارة عن طاقة داخلية يتحكم في ارتفاع كميتها وانخفاضها عامل الصفاء الروحي وعامل الصدق الأخلاقي، فهيئة الشخص مهيبة فهو محاط بهالة إيجابية قوية يصل تأثير مداها في الشخص من بعيد، فيشعر الشخص المتأثر بشعور غير طبيعي كما في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم فهو كان كما قال علي رضي الله عنه"من رآه بديهة هابه، ومَن خالطه معرفةً أحَبَّه"، وإذا اقترب وترآى للأنظار وتحدث إليه يختلف الشعور عما كان عليه في أول وهلة فينقلب إلى راحة نفسية وأنس بفعل تلامس هالته الإجابية القوية الشحنة بفعل الصفاء والصدق كما حدث لعمرو بن العاص رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم متأثرا به حين قال "وما كان أحدٌ أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة".
معرف العفوية في التصرف: ويقصد به عدم التصنع في إظهار ردود الأفعال -الحسية أو المعنوية- تجاه ما يستقبل من الكلام من الطرف الآخر أو التصنع في إنشاء تصرفات لاتتوافق وطبيعة الفطرة الخاصة بالشخص كما قال ابن عمر رضي الله عنه" نهينا عن التكلف"، لأنها منافية للصدق وتعطي الازدواجية في الشخصية وتورث النفاق وتشعر الطرف الآخر بالضيق وثقل المتصنع، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي الناس بوجه ويأتي هؤلاء بوجه"، فالإنسان العفوي تنبع ردود أفعاله من القلب فتأثر بشكل عجيب في المتلقي وتبعث على السرور وعدم الرغبة في الابتعاد عن الشخص كما في قصة الذي احتضنه (زاهر) النبي صلى الله عليه وسلم من الخلف فأرسل يقول دعني حتى إذا التفت عرف أنه النبي فجعل لا يآلوا بما التصق بظهره لايريد مبارحته في حادثة معروفة .
معرف التفاعل الموقفي: ويراد بهذا المعرف القدرة على إدارة الوقائع التي تعترض الشخص والتعاطي معها بحسب حجمها الذي تستحقه؛ فإن كان الموقف مغضب تظهر ملامح الغضب عليه -وليس بالضروره إبداؤها- وإن الموقف مدعاة للفرح يسر ويتفاعل ولايحجم عن إخراج مشاعره بما لايخدش في شخصه ولا أدل على هذا المعرف من قصة سيدنا موسى مع الخضر فهو يتفاعل مع كل موقف بسجيته، وبعضهم يعزوا صفة الهدوء إلى الشخصية القوية لعدم تأثرها بالمواقف فهي تحافظ على هذا الوصف في كل واقعة لكن هذا في الحقيقة غير ممكن وإلا كان الشخص غير طبيعي أو متصنع لفعل الهدوء.
معرف الحكمة: وهذا المعرف ذو أهمية بالغة في تقدير درجة القوة في الشخصية فهي تعكس أشياء كثيرة من القدرة على التفكير السريع وسرعة البداهة والفطنة إلى جانب الذكاء بكل أنواعه"إنه فكر وقدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر " فمعروف أن الوليد بن المغيرة يتمتع بحذاقة الذهن والقدرة على التبصر في الأمور فاعترف له القرآن بذلك، فمن كسب هذا المعرف جمع أسباب القوة والتأثير وتظهر الحكمة في استطاعة حل المشاكل والعضلات بل التنبؤ بها قبل حدوثها كما حدث مع سيدنا الخضر فله قدرة على التنبأ بالأحداث من خلال تحليل المعطيات وصناعة الحلول المناسبة، وهذا لا يتأتى إلا لفئة مختارة من الناس" يوتي الحكمة من يشاء و من يوت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب".
ينبغي التنبيه عن شيء وهو عدم الخلط بين قوة الشخصية والغرور، فلربما تكون في الذهن رغبة في صنع شخصية قوية الذهاب إلى تقمص شخصيات ومحاولة تقليدها وتتبع أوهام الابتعاد الناس والترفع عنهم واحتقار الغير بسبب مزية إضافية لديك أو التظاهر بصفات مميزة لا تكون فيك، هذا الصنيع قاتل للذات جالب للهلاك موقع في الكبر والغرور المنهي عنه .
الشخصية القوية، المحركات الشعورية، الأوساط المجتمعية،التأثير ، المعرف، العفوية، الجذب العام، الحلول،
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة