المبادئ العامة لفهم قضية الملف الأمني في العراق
أ.د سعد سلمان عبد الله المشهداني | Prof. Dr : Saad Salman Abdallah ALmishhdani
12/12/2019 القراءات: 5061
تبقى قضية الملف الأمني القضية رقم (1) في العراق لما لها تأثير كبير على حياة كل العراقيين مسؤولين كانوا ام أشخاصاً عاديين . في كل يوم اتابع الاخبار بحكم عملي واختصاصي وأستدعي كل الاخبار على المواقع الإخبارية العراقية والعربية ومواقع الصحف وأحبس أنفاسي لأرى كم هو حجم الغضب الذي حدث في العراق في هذا اليوم، حيث تستوقفي الاخبار الامنية أكثر من الاخبار السياسية والاقتصادية .
اتمنى ان أصحوا لأقرأ أن في هذا اليوم لا وجود لخرق أمني أو حادث تسبب في قتل او جرح عراقي في كل المدن العراقية .
أريد أن أصحو لأقرأ أن احد القادة الامنيين قد اعتذر للعراقيين على كونه كان مخطئاً في شأن تقدير الموقف الامني ولهذا قدم استقالته .
أريد أن أصحو لأقرأ أن القاضي العراقي الفلاني قد غامر بنفسه بعدم الفصل في القضية التي تضم تحريضاً على استهداف فئة مهمشة أو حكماً على شخص انتزعت أفادته تحت الضغط النفسي والجسدي وبشكل غير قانوني لإحقاق الحق .
أريد أن أصحو لأقرأ، ان احد ضباط التحقيق او احد قضاة التحقيق انتصر للحق في متابعة جريمة قتل أو سطو مسلح أو جريمة ارهاب المتهم فيها برئ واستطاع ان يكشف المجرم الحقيقي ليبرئ ساحة المتهم البرئ ويضع مكانه المجرم الحقيقي . أريد أن أصحو لأقرأ أن البرلمان قد صادق على أسماء المرشحين ذو الايادي البيضاء للوزارات الأمنية ليديروا وزاراتهم بمهنيتهم العالية وبأنفسهم .
ان تدهور الملف الامني في العراق منذ 2003 ولحد الآن لم يكن بسبب فشل في الاستخبارات وإنما بسبب فشلنا في فهم المبادئ العامة لفهم هذا الملف بشكل أفضل . فقد كان من الممكن لنا أن نحصل على استخبارات جيدة حول كل المفاتيح الأساسية للعابثين بأمن الوطن من خلال فهمنا للمبادئ العامة لقضية الملف الأمني في العراق والتي يمكنني تلخيصها كما يأتي :
1. كان على القائمين على الملف الأمني ان يفهموا ان أن كل ما يقوله لهم المخبر السري سراً لا قيمة له أما الشيء الذي له قيمة فهو ذلك الذي يدافع عنه العراقيون علناً بلغتهم في وسائل الإعلام . بمعنى آخر : في العراق يقول لك العراقيون ما يعتقدونه حقاً في العلن، أما في أحاديثهم الخاصة، فيقولون لك ما تريد أن تسمعه .
2. إن أي ضابط عراقي يريد الخدمة في جهاز امني يجب أن يخضع لاختبار مكون من سؤال واحد فقط : هل تعتقد أن أقصر مسافة بين نقطتين هي الخط المستقيم؟ فإذا ما كانت إجابته عن السؤال بنعم، فمعنى ذلك أنه غير صالح للخدمة في الاجهزة الامنية . بمعنى آخر ان ظروف إدارة الملف الأمني في العراق يجب ان تعالج على أساس الفهم لطبيعة المدينة وطبيعة المواطن فيها ونفسيته وموروثاته وأعراف وتقاليد المجتمع المحلي .
3. في العراق هناك تبني كبير لنظرية المؤامرة فان لم تكن قادراً على شرح شيء للمواطن العراقي باستخدام نظرية المؤامرة، فلا تحاول أن تشرحها على الإطلاق لأنه لن يصدقك .
4. في معالجة أية مشكلة أمنية في العراق علينا ان لا نأخذ تنازلاً من أحد إلا من فم الشخص الذي يقوم بالتنازل أو المخول بتقديم التنازل .
5. النزاعات المسلحة في العراق نادراً ما تحدث حول اختلاف فكري ولكنها تدور حول التنازع على السلطة والحكم بين القبائل والعشائر ولهذا يجب على القائمين على الملف الأمني في العراق .
6. في إدارة الملف الأمني في العراق، ليس هناك شيء اسمه الحل الوسط .
فعندما يكون هناك طرف ضعيف، فسوف يأتي إليك ويقول : أنا ضعيف فكيف يمكنني المفاوضة على حل وسط وعندما يكون هناك طرف قوي، فإنه سيأتي إليك كي يقول : أنا قوي فلماذا يجب علي أن أتفاوض أصلاً من أجل حل وسط؟
7. عندما يكون هناك نزاع بين قبيلتين فان على من يدير الملف الأمني ان يعالج الموضوع بطريقة الفصل الصارم بين الطرفين وإقامة حائط عازل بينهما .
8. أكثر المشاعر المقدرة في العراق هي الشعور بالإذلال فعلى القائمين على الملف الأمني ان يقدروا ذلك في تعاملهم اليومي مع الأحداث على الساحة العراقية .
9. إذا كانت أولويات المواطن العربي الأولى في أجواء الربيع العربي حالياً هي الديمقراطية فأن أولوية العراقيين الأولى هي العدالة وعلى القائمين على الملف الأمني ان يفهموا هذا الحقيقة ويعملوا من اجل تحقيقها .
ان النجاح في إدارة الملف الأمني لا يتحقق من خلال استطلاعات الرأي، وتوافق الأحزاب والكتل السياسية على إدارته بل يتحقق بواسطة من هم على استعداد للقتال والموت في سبيل قضيتهم بإخلاصهم وتفانيهم ومهنيتهم العالية ولكي نجعل إدارة الملف الأمني في العراق أولوية وطنية عاجلة يجب ان نعمل وفق قاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب ، يجب ان نجد هؤلاء وان نضعهم في المكان المناسب لخدمة العراق وشعبه الصابر الجريح .
الملف الامني، ادارة الملف الامني
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة